الكتب والمكتبات الشيعية في مهب العصبيات البغيضة
الدّكتور أكرم محمّد نبها
الكتب
والمكتبات الإسلاميّة
في مهبّ
العصبيات البغيضة
بحث يتناول
تاريخ بعض المكتبات العربيّة/الإسلاميّة وما آلت إليه منذ النشأة ولغاية القرن
السادس الهجريّ
المقدّمة
الكتبُ والمكتباتُ وما شابهها من وسائل
تسجيل المعرفة هي عصارة الفكر الإنسانيّ على طول الزّمن، فيها "خلاصةُ عقول
الأمم، فكما يقطر الزّهرُ ليصيرَ عطراً باقياً ويحبسُ في قارورة للدّلالة على ما
كان"([1])
كذلك الكتب والمكتبات فهي تدلّنا على عقول مَنْ سبق في طريق الحياة وعلى مستوى
تفكيرهم وما أنتجته العقول من علوم وفنون وآداب...هذا الإنتاج المعرفيُّ تتوارثه
الحضارات، اللاحقة عن السابقة، وهكذا يرتفع بنيان الحضارة الإنسانيّة في سعيها
الدائب نحو الأكمل والأفضل والأجمل..
ولمّا كانت نوبة الحضارة في الشرق استوعبَ
المسلمون المنتج الحضاري الذي قدّمته الحضارات السّابقة، وأسهمت الحضارة
الإسلاميّة بنصيبها الخاص وحملت الأنصبة السّالفة، فأضافت إضافاتٍ معرفيّةً
جديدةً، وابتكرت ابتكاراتٍ ورثتها الحضارة الحديثة، حتّى ليصحّ القول أنّ الحضارة
العربيّة الإسلاميّة هي حضارة كُتبٍ ومكتباتٍ، فقد تعلّق المسلمون بالكتاب أيّما
تعلّقٍ؛ قال ويل ديورانت في كتابه (قصّة الحضارة): "لم يبلغ الشغف
باقتناء الكتب في بلد آخر من بلاد العالم ـ اللّهم إلا في بلاد الصين في عهد منج هوانج
ـ ما بلغه في بلاد الإسلام في القرون الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر؛ ففي هذه
القرون الأربعة بلغ الإسلام ذروة حياته الثقافية"([2]).
شهدَ القرن الثاني الهجري تطوير أو اختراع
الورق الذي نقل الحركة العلميّة نقلةً مهمّة وبعيدة، فازدهرت صناعة النشر
(الوراقة)، فتطوّرت المكتبات ونضجت وازدهرت في هذا القرن، وبلغت ذروتها في القرن
الرّابع .
بحثُنا يحاول أن يوضّح مصير الكتب والمكتبات
التي سطّرها العرب والمسلمون في مسيرتهم الحضاريّة ما بين القرنين الثاني والسادس
الهجريين، ونسأل: هل ما أنتجه العقل العربي الإسلامي قد وصلنا كاملاً ؟ أم انّ
الكثير منه قد تلفَ واندثر إلى قيام السّاعة؟ ثمّ، ما هي الدّوافع والأسباب وراء
هذا التلف والإندثر؟ وأخصّ بالبحث والتّحرّي المكتبات الشيعيّة حتى القرن السادس
الهجري .
والله
ولي التوفيق
أكرم
محمّد نبها
ماهيّة المخطوط
الإسلاميّ
القرآن الكريم والحديث النبويّ الشريف
ومختلف العلوم والفنون كلّها قُيّدت في وسائل معرفيّة سمّيت (المخطوطات) ، فما هو
المخطوط ؟
المخطوطات الإسلاميّة يقصد بها التراث
الإسلاميّ المكتوب بخطّ اليد على الرّقاع والأوراق الصينيّة، ففيها دوّنَ نتاجُ
العقل العربي والإسلاميّ في عصوره الذّهبيّة، واستمرّ هذا التدوين إلى زمن اختراع
المطبعة، فتمتدّ حقبة المخطوطات اليدويّة أكثر من عشرة قرون .
هذا التراث المخطوط باليد الكثير الكثير منه
كان وقوداً لنيران الغزوات وحروب الفتن، وما زال الكثير منه منسيّاً في زوايا
متاحف ومكتبات العالم، لم تمتدّ إليها يد التحقيق، ولم تُنفض عنها غبار النسيان كي
تظهر إلى النور، ويكفي القول أنّ في مدينة اسطنبول وحدها ما يربو على مئة وأربعة
وعشرين ألفاً من المخطوطات النادرة .
إستعمل العربُ في الجزيرة العربية قبل
الإسلام جلودَ الأنعام المدبوغة للكتابة عليها، وسمّيت هذه الجلود (الأديم أو
الرّقّ)، وهي مصنوعةٌ من جلود الغزلان والحُمُر الوحشيّة الإبل والبقر وو.. تدبغ
هذه الجلود لتصبح ناعمة رقيقة ملساء يمكن الكتابة على وجهيها، وقد اشتهر رقّ
الغزال في كتابة المصاحف .
نقلَ المسلمون صناعة الورق عن الصّينيين بعد
استلائهم على سمرقند سنة 90هـ، فقد اطّلع المسلمون على صناعة الورق، وأدخلوها إلى
بغداد، ومنها انتقلت إلى سوريا ومصر والمغرب العربيّ ثمّ إلى الأندلس والتي كان
لها الفضل في نشر صناعة الورق في أوروبا، وقد ذكر ابن النديم أنّه رأى:
"أربعةَ أوراقٍ، أحسبها من ورق الصين، فيها كلام في الفاعل والمفعول عن أبي
الأسود رحمه الله بخطّ يحيى بن يعمر"([3])
ويحيى هذا توفّى سنة 90هـ .
هذه المخطوطات التي نتحدّث عنها كانت
مادّتها الأوّليّة مكوّنة من :
1.
الرّقّ، وهي الجلد الرقيق الذي يُسوّى
ويُرقّق ويُكتب عليه .
2.
القماش، وهو من الحرير أو القطن،
ويطلقون على الصُّحف إذا كانت من القماش المهارق، وهو لفظٌ فارسيّ معرّب .
3.
النبات، وأشهر أنواعه العسيب، وهو
السّعفة أو جريدة النّخل إذا يبست وشذّبت من خواصها.
4.
الكُِرْنافة (بضم الكاف وكسرها)،
وجمعها كرانيف، وهو أصول السّعف، وقيل أنّ الوحي كان يكتب في عهد الرسول على العسب
والكرانيف .
5.
العظام، وأشهرها الكتف واللّوح
والأضلاع .
6.
الحجارة، وهي بيضٌ رقاقٌ كتبت عليها
آيات القرآن .
7.
الورق، وهو الذي عرف الصّينيّون
صناعته منذ زمن بعيد، وقد تعرّف عليها العرب بعد أن فتحوا سمرقند .
وقد كانت لهذه المواد الأوليّة التي يكتب
عليها ألفاظٌ عامّة يطلقونها عليها ليدلوا على المكتوب، وما كُتب عليه معاً، من
ذلك:
1.
الصحيفة، وقد تكون جلداً أو قماشاً أو
نباتاً أو حجراً أو عظاماً أو أوراقاً ..
2.
الكتاب، وهو لفظٌ قد يكون أعمّ من
الصحيفة، وهو أكثرها شيوعاً .
3.
الزّبور، وقد يراد به الكتاب
الدّينيّ، ولكنها تطلق أيضاً على غيره من الكتب .
وأمّا المواد التي كانوا يكتبون بها على
الورق فهي القلم والمداد .
والمخطوط وجمعها مخطوطات أكثرها كتب على
الورق الصّينيّ المصنوع من سيقان نبات الخيزران (البامبو) المجوّفة، والخِرق
البالية، أو شباك الصّيد، حيث كانت تُغسل هذه المواد جيداً ثمّ تطحن في مطاحن
خاصّة حتى تتحوّل إلى عجينة طريّة ثمّ تُضاف إليها كمّيّة من الماء حتى تصبح شبيهة
بسائل الصابون، وبعد تصفيتها تؤخذ الألياف المتماسكة بعناية لتنشر فوق ألواح
مسطّحة لتجفّف بواسطة حرارة الشمس، وبعد ذلك تُصقل صحائف الورق بواسطة خليط النشا
والدقيق، وتجفّف من جديد لتصبح بعد ذلك جاهزة للإستخدام .
وقد وجّهَ المسلمون عنايتهم في أول أمرهم
إلى المصحف الشريف، فجمّل وزُخرف وطوّرت أساليب رسمه وحفظه، ففي صدر الإسلام كتبه
الخطّاطون بالخطّ الكوفيّ، ومنذ القرن السادس الهجريّ كتبوه بخطوط جديدة هي
الثُّلُث والنّسْخ وو..
ولم تقتصر المخطوطات الدينيّة على المصاحف
وحدها بل شملت كتب الحديث، ومن ثمّ استخدمت في تدوين آثار الفكر من أدب وفنون حكمة
وفلسفة وتاريخ وفلك وعلم وسيرة وو.. هذا التراث الديني والفكري دوّن أقلّه على
القماش والنبات والحجارة والعظام، ودوّنَ أكثره على الورق الصينيّ .
حبّر المسلمون الكثير من الكتب والرسائل
والأوراق البحثيّة في مختلف العلوم والفنون، ولكنّ يدَ الأيّام عاثت بها، ولم يبقَ
منها إلا النزر اليسير، وهناك مؤلّفات ومخطوطات لم تصلنا إلا أسماؤُها المذكورة في
بطون الكتب والفهارس والتراجم كـ(الفهرست) لابن النديم، و(الفهرست) للشيخ الطوسيّ،
و(معجم الأدباء) لياقوت الحموي، و(كشف الظنون) لحاجي خليفة، و(الذّريعة إلى تصانيف
الشّيعة) آقا بزرك الطهرانيّ، وغيرها الكثير الكثير ...هذه الكتب وأمثالها تحوي
أسامي الكثير من الكتب التي نسمع بأسمائها ولا نراها ولن نراها، لأنّ أكثرها تلفت
مع ما تلف بسبب الحروب والفتن والأحقاد والضغائن ..
إنّ تاريخ الكتاب ارتبط بعاملين أساسيين:
الأوّل ثقافيّ حضاريّ قائمٌ على تتطوّر العلم ونشوء التدوين، والثاني ماديّ فنّيّ
متعلّقٌ بتوفّر موادّ الكتابة من البردي والرّق والورق فيما بعد، وتهيئتها لصناعة
الكتاب .
تناولنا في ما تقدّم المادّة التي دوّنَ
عليها نتاج الفكر الإسلاميّ، وفيما يأتي سنتناول تاريخ التدوين عند المسلمين، ومصير
المكتبات الكبرى في التاريخ الإسلاميّ، وأخصّ الحديث حول المكتبات الشيعيّة التي
أحرقت أو نهبت في التاريخ، حيث ضاع فيها أغلب النتاج الفكريّ الشيعيّ .
تدوين الحديث
النبويّ
من المسلّم به أنّ القرآن الكريم تمّ تدوينه
قبل أن يلتحق الرسول الأكرم بالرفيق الأعلى، إذ كان يسارع بعد أن يوحى إليه
المقدار من القرآن فيدعو أحدَ كَتَبَةِ الوحي ويملي عليه ما أنزل، فيكتبُهُ على
الموجود من الموادّ كالجلد أوكتف الجمل أو أصول جريد النّخل أو حجر رقيقٍ أملس أو
على قرطاس من ورق البردي ..
وبعد عصر النبوّة لم يبادر المسلمون إلى
تدوين الحديث النبويّ ولو أرادوا ذلك لما شقّ عليهم، فانقسموا فريقين فريقٌ منع
تدوين الحديث، وآخر لم يرَ غضاضة في تدوينه .
فالفريق الذي وقف سدّاً منيعاً في طريق
تدوين الحديث احتجّ لذلك بروايات روواها عن رسول الله نهى فيها عن تدوين حديثه
وتسجيله في صحف، روى أبو سعيد الخدري، قال: قال رسول الله: لا تكتبوا عنّي شيئاً
إلا القرآن، فمَنْ كتبَ عنّي شيئاً غير القرآن فَلْيَمْحُهُ"([4])،
واحتجّوا على المنع بأن قالوا: لا نقيّدُ الحديثَ النبويّ كي لا يختلط كلام الرسول
بكلام الله عزّ وجلّ، فَيَلْتَبِسُ على المسلمين لفظ الحديث مع لفظ القرآن .
ومن الملاحظ أنّ الحديث المرويّ عن رسول
الله "لا تكتبوا عنّي الحديث.." السابق ذكره لم يوضّح المنع، وكانت علّة
المنع اجتهاداً ممَّنْ منعَ، وكان الخليفتان الأول والثاني ممّن اشتهر بمعارضة
فكرة التدوين، وكان الخليفة الثاني أكثر المتشدّدين في منع تدوين الحديث وتوعّد
الناس بالعقاب لمن يقدم عليه.
وروى فريق من المدرسة ذاتها أحاديث تظهر
الرّخصة في تدوين الحديث عن رسول الله، فقد رخّص رسولُ الله لعبد الله بن عمرو بن
العاص أن يكتبَ عنه ما يشاء، فجمّع من أحاديثه، على ما يقولون، الصحيفة المسمّاة
بـ(الصّادقة) ؛ عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو، قال: "ما يرغّبني في الحياة
إلا (الصّادقة) والوهطُ، فأمّا الصادقة فصحيفة كتبتُها من رسول الله.."([5])،
وفي حديث آخر، أخبرنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه، قال: قلتُ: يا رسول الله إنّا
نسمعُ منك أحاديث لا نحفظها، أفلا نكتبها ؟ قال: بلى، فاكتبوها"([6]).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: "قال رسول الله: قيّدوا العلم. قلتُ:
وما تقييده؟ قال: كتابته"([7])
. وقال عروة بن الزبير(ت94هـ): "كتبتُ الحديث ، ثمّ محوتُهُ، فوددتُ أني
فديته بمالي وولدي وأنّي لم أمحُهُ"([8])
.
مما سبق نلاحظ تعارض الروايات في المدرسة
نفسها بين المنع من تقييد الحديث والرّخصة فيه، ونظراً لتعارض هذه الروايات رجّحَ
أكثرُ المحدّثين بأنّ الرسول نهى عن التدوين في بدءِ الدّعوة مخافة أن يختلطَ
حديثه بالقرآن الكريم، ولما تركّزَ القرآن في نفوسهم أباحَ لهم أن يكتبوا عنه ما
يشاؤون، وعليه يكون رسول الله قد انتقل إلى الرفيق الأعلى والتدوين مباحٌ للجميع .
والسّؤال: لِمَ منعَ الخليفة الثاني تدوين
الحديث ما دامَ مباحاً ؟ وهل وعى الخليفة الثاني أحاديث المنع ولم تطرق أحاديث
الرّخصة مسامعه حتى وقف في وجه تدوين الحديث؟ وهل كان الخليفة الثاني على بيّنة من
أمره عندما منع تدوينَ الحديثِ وبقاءَ جزء مهمّ من سُنّة الرسول طيَّ الكتمان ؟
أنقلُ روايةً من دون أن أعلّق عليها، وأتركُ القارئَ يستنتجُ منها ما يشاء .
روى عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، قال:
"جاء علقمة بكتابٍ من مكّة أو اليمن فيه أحاديث أهل بيت النبيّ، فاستأذنّا
على عبد الله بن مسعود، فدخلنا عليه، فدفعنا إليه الصحيفة، فدعا الجارية، ثمّ دعا
بطست فيه ماء، فقلنا له: يا أبا عبد الرحمن انظرْ فيها، فإنّ فيها أحاديثَ حساناً،
قال: فجعل يميثها فيها ويقول: )نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا
الْقُرْآَنَ(([9])
، القلوبُ
أوعيةٌ فاشغلوها بالقرآن"([10])
، ويظهر من الروايات أنّ ابن مسعود كان منحرفاً عن عليّ(ع) ([11])
.
وأمّا أئمّة أهل البيت فقد أعاروا العلمَ
والعلماء اهتماماً كبيراً، وحثّوا على كتابة العلم، ولا غرو في ذلك، فقد كان
الإمام عليّ(ع) أوّلَ كاتب وجامع للعلم بين دفّتين، فهو الذي جمعَ
القرآن الكريم، وألّفَ أكثر من كتاب، وكذلك فعل أولاده من بعده، ونهجَ أتباعُهم
ومريدوهم هذا النهج.
روى البخاري في صحيحه عن
عليّ(ع) أنه قال: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنِ
الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَطَبَنَا عَلِىٌّ فَقَالَ
مَا عِنْدَنَا كِتَابٌ نَقْرَؤُهُ إِلاَّ كِتَابُ اللَّهِ، وَمَا فِى هَذِهِ الصَّحِيفَةِ
فَقَالَ فِيهَا الْجِرَاحَاتُ وَأَسْنَانُ الإِبِلِ، وَالْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ
عَيْرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى فِيهَا مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ
لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ
وَلاَ عَدْلٌ، وَمَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَذِمَّةُ
الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ."([12])
وروى البخاري أيضاً
قال:حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ
حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِىُّ حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ: خَطَبَنَا عَلِىٌّ ـ
رضى الله عنه ـ عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ آجُرٍّ ، وَعَلَيْهِ سَيْفٌ فِيهِ صَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ
فَقَالَ وَاللَّهِ مَا عِنْدَنَا مِنْ كِتَابٍ يُقْرَأُ إِلاَّ كِتَابُ اللَّهِ وَمَا
فِى هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. فَنَشَرَهَا فَإِذَا فِيهَا أَسْنَانُ الإِبِلِ وَإِذَا فِيهَا
(الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ عَيْرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا فَعَلَيْهِ
لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ
صَرْفًا وَلاَ عَدْلاً) . وَإِذَا فِيهِ (ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى
بِهَا أَدْنَاهُمْ ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلاَ عَدْلاً) . وَإِذَا
فِيهَا (مَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ
وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلاَ
عَدْلاً)"([13])
.. وواضحٌ ما في الصحيفة من أحكام دوّنها الإمام عليّ(ع) .
وقد روى البخاري ومسلم في
صحيحيهما أحاديث كثيرة حول صحيفة الإمام علي (عليه السلام) بنصوص وأسانيد مختلفة،
وأشارا إلى الأحكام المتضمّنة لها.
والأحكام التي وصلتنا من
الصحيفة عبر الصحيحين، وإن كانت ضئيلة، ولكن التدقيق في نصوص الأحاديث يلفتنا إلى
نقطتين أساسيتين:
الأولى: تعدد الصحائف وكثرتها وأنها ليست
واحدة.
الثانية: احتوائها على كثير من الفروع
والجزئيات من أحكام الدّيات والقصاص وغيرها.
وعن الحسن بن عليّ(عليهما السلام) أنّه دعا
بنيه وبني أخيه وقال: إنّكم صغار قوم، ويوشك ان تكون كبارَ قومٍ آخرين، فتعلّموا
العلمَ، فمَنْ لم يستطعْ منكم أن يحفظه فليكتبْهُ وليضعْهُ في بيته"([14])
.
قال الشيخ أبو العباس
النجاشي:"عن عذافر الصيرفي قال: كنت مع الحكم بن عيينة عند أبي جعفر محمد بن
علي الباقر (عليهما السلام)، فجعل يسأله، وكان أبو جعفر له مكرماً، فاختلفا في شيء،
فقال أبو جعفر: يا بنيّ، قمْ، فأخرجْ كتاب عليّ، فأخرجَ كتاباً مدرجاً عظيماً
ففتحه، وجعل ينظر حتى أخرج المسألة. فقال أبو جعفر: هذا خطّ عليّ وإملاء رسول الله
(صلى الله عليه وآله)، وأقبل على الحكم وقال: يا أبا محمد، اذهب أنت ومسلمة
المقداد حيث شئتم يميناً وشمالاً، فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان
ينزل عليهم جبرئيل"([15]).
ونحن نستنتج مما رواه
البخاري عن صحائف علي، والنجاشي عن الإمام الباقر: أن أهل البيت كانوا السّباقين
إلى تدوين الحديث، وأن امتلاكهم لهذه الصحائف الثمينة، والتي حوت أحكام الدّين
الإسلامي الحنيف كان ثالثة الأثافي في بناء الصرح العلميّ الشاهق للشيعة، وحيث أن
الشيعة ساروا في تدوين الحديث على خطى علي وبنيه، ولم تكن ثمة فترة انقطاع وفتور
بين صدور الأحاديث وتدوينها عندهم فحسب، بل كان هناك العشرات، منهم الذين ألّفوا
على هذا الصعيد، واشتهروا به، بن الفنية والأخرى.
يذكر النجاشي في كتابه(رجال
النجاشي) أسماءَ ألف ومئتين من رجال الشيعة، ويترجم لها، ويشير إلى أنه قام بترجمة
المؤلفين والكتّاب فقط من الشيعة([16]).
وقد سنحت فرصةٌ قصيرة في
عهد الإمام الصادق (83 ـ 148هـ) وهي الفترة الانتقالية بين العهد الأموي والعهد
العباسيّ، استطاع الإمام أن يَصْعَدَ بعلم الحديث وتدوينه إلى ذُراهُ، وأقصى
مراحله العالية، حتى بلغ عدد تلاميذه (4000) أربعة آلاف شخص.
ويذكر الحسن بن علي
الوشّاء أنه أدرك في عصر واحد (900) تسعمائة من العلماء في مسجد الكوفة كلّهم
يقول: حدّثني جعفر بن محمد([17])
مع الأخذ بعين الاعتبار، أن الكوفة تفصلها مسافة شاسعة عن المدينة المنورة معقل
الإمام الصادق وموطنه.
وللتشجيع المنقطع النظير
الذي كان يقوم به الإمام لتدوين الحديث وكتابته، دفع بالكثيرين إلى تأليف كُتب في
هذا المجال، مما لا مجال لإحصائه بدقة، سوى ما أحصي من الكتب التي صنفت في مجال
الأحكام والتشريعات الإسلامية الأخرى، فبلغ (400) مُؤَلَّفٍ لـ(400) تلميذ من تلاميذ
الإمام الصادق، والتي أُطلق عليها فيما بعدُ (الأصول الأربعمائة) حيث قامت ثلّةٌ
من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) بجمعها، وإخراجها على صورة كتب جامعة.
كانت هذه الجوامع ـ
ولفترة ليست بالقصيرة ـ مرجعاً وحيداً للشيعة في مسائلهم، وأحكامهم؛ حتى جاء ثقة
الإسلام الكليني(ت:328 أو 329 هـ)، وألّف كتاب (الكافي) بصورة حديثة ومبتكرة؛ ثمّ
من بعده ابن بابوية الصدّوق(306ـ 381هـ)، ألّف كتابه (من لا يحضره الفقيه)، وجاء من
بعده الشيخ الطوسي (365ـ 480هـ) ليضع
سفريّة الخالدين (التهذيب) و(الاستبصار) ؛ ألّف هؤلاء العظماء، كتبهم مستندين
فيها، إلى الأصول الأربعمائة والجوامع السالفة الذكر، وأطلق على كتبهم (الكتب
الأربعة) .
وعن أبي بصير قال: "سمعتُ أبا عبد الله
يقول: اكتبوا فإنّكم لا تحفظون حتى تكتبوا"([18])،
وقال أيضاً: "احتفظوا بكتبكم فإنّكم سوف تحتاجون إليها"([19])،
وعن المفضل بن عمر قال: "قال لي أبو عبد الله: أكتبْ وبثَّ علمكَ في إخوانكَ،
فإن مِتَّ فأورث كتبَكَ بنيكَ، فإنّه يأتي على الناس زمانُ هرجٍ لا يأنسون فيه إلا
بكتبهم"([20])
، فالإمام من خلال الروايات السابقة يحثّ على : كتابة العلم، ونشره، وتوريثه
لأنّه خير ميراث .
إنّ الشّيعة ألّفوا عشرات الكتب في القرون
الثلاثة الأولى من الهجرة، شكّلت مصادر الكتب الحديثيّة الأربعة في القرنين الرابع
والخامس، والكتب الحديثيّة الأربعة تعتمد على مرويّات أئمّة أهل البيت باعتبارهم
المصدر الصادق الموثوق، والناقل الأمين لأقوال الرسول وأفعاله، ولو كانت السّلطة
بعد عصر النبوّة راغبةً في تقييد العلم لما عدموا الوسيلة، فكان من الممكن أن
تُشكّل لجنة كتلك التي شكّلت لجمع القرآن الكريم، وهذه اللجنة العلميّة الموضوعيّة
الموثوقة مهمّتها غربلة الحديث النبويّ والتدقيق فيه والعناية به وتسجيله أقرب ما
يكون إلى الصّحة والموضوعيّة، ولكنّ شرذمةً ممّن كان بيدهم الحل والعقد أغفلوا ذلك
عن قصد، ولو دوّنوا الحديث لقطعوا الطريق على كلّ أفّاكٍ أثيم ألصق بالسُّنّة
النبويّة ما ليس فيها، ولو جمعوا الحديث من صدور الحفّاظ لقطعوا الطريق على
المغرضين المندسّين المرتزقة الذين يتقرّبون إلى الحكّام بوضع الأحاديث التي تُعلي
من شأن المنحطّين وتؤيّد عروشهم ؛ إنّ منعَ تقييد الحديث النبويّ بعد عصر النبوّة
تبقى علامة استفهام كبيرة على طول التاريخ الإسلاميّ، وخاصةً تلك الفترة التي حظر
فيها تدوين الحديث، حيث كثر الوضّاعون على رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وخلاصة القول: إنّ حركة تدوين الحديث
بدأت تأخذ مداها وتتسع شيئاً فشيئاً في الشطر الأخير من عصر الصّحابة، ولكنّها لم
تنتشر بين المسلمين إلا في أوائل القرن الثاني حينما أمر عمر بن عبد العزيز أبا
بكر محمد بن حزم(ت117هـ) لجمع الحديث النبويّ وتدوينه ، وفي بدايات القرن الثاني
أنتجت "مدرسة أهل البيت ممثّلةً بالإمامين الباقر والصادق مدوّنات بلغت ستة
آلاف كما أحصاها أكثر المؤلّفين في هذا الموضوع من الشيعة"([21]).
تاريخ المكتبة الإسلاميّة
سطّر المسلمون في تاريخ مسيرتهم الحضاريّة
ملايين المخطوطات في شتّى العلوم والمعارف استفاد منها الغرب أيّما إفادة إبّانَ
نهضته التي قامت عليها الحضارة الغربية الحديثة، والسّؤال: أين هي هذه الملايين من
المخطوطات ؟؟
الجواب سهلٌ جداً: جزءٌ منها في خزانات الكتب
الغربية، وجزءٌ آخر صار طعماً لنيران الحروب والفتن والأحقاد، وثالثٌ يسيرٌ قد تمّ
تحقيقه أو ما زال في خزانات الكتب العربية والإسلاميّة ينتظرُ مَن ينفضُ عنه غبار
القرون والسنين.. ونحن لن نتعرّض للجزء الأوّل من هذه المخطوطات، فلها حديثٌ آخر،
ولكنّنا سوف نتناول بالبحث المخطوطات الإسلاميّة التي ضاعت بسبب الحرق، ولا أمل في
رؤيتها إلى قيام السّاعة .
إنّ حرق الكتب والمكتبات عملٌ مارسته
الشّعوب كافةً على طول التاريخ وعرضه، ولم ترعوِ أمّةٌ من أمم الأرض، شرقية
وغربية، عن القيام بمثل هذا العمل الشنيع، ونكتفي بنموذجٍ واحدٍ، فأرخميدس الحكيم
الرّياضيّ اليونانيّ أحرق الرّوم من كتبه خمسةَ عشرَ حملاً عندما فتحوا مدينة
سرقوسة عام 212 قبل الميلاد([22]).
وأمّا الكتب والمصنّفات الإسلاميّة فإنّه
يمكنُ حصر الأسباب التي أدّت إلى ضياغها بالتالي:
1.
الحروب والغزوات .
2.
الفتن الطّائفيّة، ودوافها العقائديّة
الهمجيّة .
3.
التّعصّب والحسد .
ظهرت المكتبات الإسلاميّة بصورة واضحةٍ في نهاية القرن الثاني للهجرة، إذ
زوّدها الخلفاء والوزراء والأمراء وغيرهم من العلماء والأفاضل والأثرياء بما تحتاج
إليه من موظّفين وموادّ أوّليّة للكتابة كـ(الرّق، الورق، البردى، الحبر..) ولقد
زوّدت مثل هذه المكتبات بكتبٍ هامّة في مختلف العلوم، وتبارى الخلفاء والأمراء في
اقتناء أنفس الكتب وأكثرها ندرةً مهما كلّفهم ذلك من أموال طائلة"([23]).
إهتمّ المسلمون بصناعة الورق، وأنشأوا له المصانع، وجلبوا له الصّنّاع من
مصر التي اشتهرت بصنعه من نبات البردي([24])،
واستمرّ استخدامه إلى أن حلّ محلّه الكاغد الصّينيّ في القرن الرابع الهجري،
واشتهرت سمرقند بصناعة الكاغد، حتى قيل: "كواغد سمرقند قراطيس مصر"، ثمّ
تمدّدت صناعة الورق الصّينيّ إلى أن وصلت إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسيّة، حيث
أسّس الفضل بن يحيى البرمكيّ سنة 178هـ أوّل مصنع للورق، وانتقلت صناعة الورق إلى
أوروبا عن طريق الشّام، فأطلق عليه الأوروبيّون اسم (الصّحائف الدّمشقيّة) .
إتّسعت المكتبات في العصر العباسيّ حتى عُدَّ بحقّ عصر الموسوعات العلميّة
والمكتبات الإسلاميّة، ساعدَ على ذلك اتّساع حركة التأليف والترجمة وتقدّم صناعة
الورق التي هي أسُّ صناعة الكتاب، ومن أشهر مكتبات ذلك العصر كانت "خزانة
الحكمة" أو "بيت الحكمة" في بغداد، "أنشأه المأمون عام 830م،
وهو مجمعٌ علميٌّ ومرصدٌ فلكيّ ومكتبةٌ عامّةٌ، أنفق على إنشائها مائتي ألف دينار
(نحو950 ألف ريال أمريكي)، وأقام فيها طائفة من المترجمين، وأجرى عليها الأرزاق من
بيت المال"([25])،
والغالب أنّ الرشيد([26])
وليس المأمون هو الذي أنشأ هذه المكتبة، وجمع إليها ما كان قد نقل إلى العربية من
كتب علميّة وطبّيّة وغيرها، بالإضافة إلى ما كان قد أُلّف وصُنّف في العلوم
الإسلاميّة، ولما تولّى المامون الخلافة بعد الرشيد أنشأ مجالس الترجمة، وجمع في
بيت الحكمة كتب العلم بلغاتها اليونانيّة والسّريانيّة والفارسيّة والهنديّة
والقبطيّة فضلاً عن العربيّة .
وبيت الحكمة لم يكن مكاناً لتجميع الكتب فحسب بل كان مركزاً علميّاً
زاهراً، فيه مجلس للترجمة والنسخ والتأليف والدراسات، وكان لكلّ أناس مكانٌ خاصّ
يركنون إليه، فمكانٌ للنّسّاخ وآخر للمؤلّفين وثالثٌ للمترجمين والمطالعين .. وذكر
ابن النديم في فهرسته إسم أحد النّسّاخ وهو علان الشّعوبي([27])
عملَ نسّاخاً في بيت الحكمة للرشيد والمأمون والبرامكة .
وبعد الإنتهاء من تأليف الكتاب أو ترجمته أو نسخه كان ينتقلُ إلى صنّاع
التجليد، فيقومون بتجليده وتزيينه وتحسينه "وإنّ ابن أبي الحريش كان يجلّدُ
في خزانة الحكمة للمأمون"([28])،
وما زال الخلفاء العباسيون يضيفون إلى المكتبة الكتب والنفائس حتى صارت داراً
للعلم يعجز القلم واللسان عن وصف المحتوى العلمي فيها، لأنّنا نتحدث عن مكتبة حوت عصارة
الفكر الإنسانيّ بملايين المجلّدات .
إلى أن جاء التتار سنة656هـ إلى بغداد، فنال عاصمة الخلافة الاسلاميّة ما
نالها من عبثٍ وفساد، وخبر التتار هو حديثٌ يأكل الأحاديث، وخبر يطوي الأخبار،
وتاريخ ينسي التواريخ، ونازلة تُصَغِّرُ كلَّ نازلة، حتى قيل: "إنّ هولاكو
اتّخذَ من الكتب الموجودة في خزائن بغداد يومئذٍ جسراً تعبر عليه جنوده، فاصطبغ
ماء دجلة بلون مداد الكتب، وأمر بإحراق ما تبقّى منها، حتى قيل أنّ الفارس
التتريّ كان يعبر فوق المجلدات الضخمة من ضفة إلى ضفة أخرى!!.."، هذه جريمة ليست
بحقّ المسلمين فحسب، بل في حق الإنسانية كلها!!..وهي جريمة تكرّرت عبر التاريخ..
ولمّا استقرّ هولاكو بقصر المأمونيّة شرقيّ بغداد سمح لجنده
بدخول المدينة، فعاثوا فيها أسبوعاً كاملاً، وهدّموا مساجدها ليحصلوا على ذهب
قبابها، وجرّدوا القصور مما بها من التُّحف النادرة، وأتلفوا عدداً كبيراً من
الكتب القيّمة في مكتباتها، وأهلكوا كثيراً من رجال العلم فيها.."([29])،
وقد اختلف المؤرّخون في عدد الأنفس التي أزهقها المغول على أثر دخولهم بغداد،
وراوحت التقديرات بين900 ألف([30])،
ومليون وثمانماية ألف([31])،
وكانت بغداد نتيجة هذه الكارثة قد فقدت معظم سكّانها، وضاعت الثروة الأدبيّة
والعلميّة والفنيّة التي عُني الخلفاء العباسيون بجمعها منذ أن بنى أبو جعفر
المنصور بغداد واتخذها حاضرةً لدولته عام 140هـ.
وكان للخليفة العباسيّ المستعصم(609 ـ 656هـ) وزيرٌ اسمه ابن العلقميّ
"يحبُّ أهل الأدب، ويقرّبُ أهل العلم، إقتنى كتباً كثيرةً نفيسة، قد اشتملت
على عشرة آلاف مجلّد من نفائس الكتب، وصنّفَ الناسُ له الكتبَ منهم الصّغاني
اللغوي، وابن أبي الحديد صنّف له كتاب شرح نهج البلاغة، يشتمل على عشرين
مجلداً"([32])،
واتّهمَ الجوزجانيُّ في كتابه (طبقات ناصري) والسيوطيُّ في كتابه (تاريخ الخلفاء)
وغيرهما ابنَ العلقميّ والشيخَ نصير الدين الطّوسيّ الشيعيّين تسليمَ
بغداد للمغول،محاولين أن يحمّلوا كارثة بغداد للشيعة، قال السيوطيّ: "ثمّ ركن
المستعصم إلى وزيره مؤيّد الدين العلقميّ الرافضيّ، الذي باطن التتار وناصحهم
وأطمعهم في المجيء إلى بغداد، وسهّل عليهم ذلك"([33])
، غير أنّ د. حسن إبراهيم حسن علّق على ذلك بقوله: "هذه الآراء لا تتّفقُ مع
هذه الحقيقة التاريخيّة وهي أنّ فتحَ المغول بغداد كان جزءاً من مشروعٍ سياسيٍّ
يهدف إلى اتّساع رقعة الإمبراطوريّة المغوليّة.. أضف إلى ذلك أنّ قتلَ المغول لأهل
بغداد قد شملَ السّنيين كما شملَ الشّيعيين الذين نُهبت دورهم في الكرخ وهي محلّة
الشيعة ببغداد، وممّا هو جديرٌ بالملاحظة أن الجوزجانيّ يغلو في سنّيّته"([34])
.
وبعد أن عاثت بربريّة التتار فساداً
وتقتيلاً وحرقاً في بغداد، وبعدَ أن رموا كتبَ الحضارة الإسلاميّة في نهر دجلة،
ورموا الجزء الآخر طعماً للنار استطاع نصير الدين الطوسيّ أن يجمع من فلول تلك
الكتب 400 ألف مجلّد استودعها في مكتبة مُراغة، وإذا كان المُستنقذُ هذا حجمه، وهو
النزر اليسير من كتب بغداد، فكيف بتلك التي أُغرقت أو أُحرقت!!
وفي هذه المقالة لن أتناول ما ضاع من كتب ومكتبات إسلاميّة وعربية على طول
الدّولة الإسلامية/العربية وعرضها، منذ ثلاثة عشر قرناً من الزمن، وإنّما سأخصّ
مقالتي بتلك المكتبات الشيعيّة العظيمة التي ضاعت فيها كتب المذهب على طول الزمن،
وضاعت معها كتب علمائنا الكبار، ولم يبقَ منها إلا أقل القليل، ولو وصلتْ إلينا
لوصلَنا علمٌ جمٌّ .
مكتبات الفاطميين في مصر([35])
لم يكن الفاطميّون بمصرَ([36])
أقلّ من إخوانهم العباسيين اعتناءاً بالعلم والعلماء، وقد كان في مقدمة ما عنيوا
به جمع الكتب، وبخاصّة النادر منها في كلّ فنٍّ وعلمٍ، وكثيراً ما كانوا يحرصون
على اقتناء نُسخٍ من مختلف الكتب بخطّ مؤلّفيها، يدفعون في سبيل ذلك أغلى الأثمان،
مبالغةً في التحقيق والتدقيق، هذا فضلاً عن تنسيق تلك الكتب وتبويبها والمحافظة
عليها وفقَ نظام دقيق، تيسيراً للرجوع إليها والإغتراف من مناهلها .
وحين تولّى الخليفة الفاطميّ العزيز بالله الخلافةَ عام 365هـ إستوزرَ
يعقوب بن كلس، وكان محباً للكتب، كلفاً بها، فأنشأ مكتبةً ضخمةً عُرفت باسم (خزانة
الكتب) بذل أموالاً طائلة لتغذيتها بالمؤلّفات النادرة والمهمّة في التاريخ والأدب
والفقه.. "وذُكر أنّه كان فيها أكثر من ثلاثين نُسخة من كتاب العين للخليل بن
أحمد الفراهيدي، منها نسخة بخطّ يده"([37])،
وعشرون نسخة من كتاب الطبريّ، ومائة نسخة من كتاب الجمهرة لابن دريد؛ وقد أورثَ
العزيز بالله ابنه الحاكم بأمر الله (386هـ ـ 411هـ) حبَّ الكتب، فأنشأ (دار
العلم) أو (دار الحكمة)، أقام بها القرّاء وأصحاب اللغة والنحو والأدب والطّب أجرى
لهم الأرزاق، وأباحَ الدخول إليها لسائر الناس، وجعل فيها ما يحتاجون إليه من
الورق والأقلام والحبر .. وقد وصل عدد الكتب فيها إلى ما يقارب المئة ألف كتاب.
وكان عدد نُسخ المكتبة الفاطميّة تزداد بمرور الأيّام والأعوام حتى بلغ عدد
النسخ من كتاب (تاريخ الطبري) عند استيلاء صلاح الدين الأيوبيّ([38])
على مصر 1200نسخة، وكان فيها 2400 ختمة قرآن بخطوطٍ محلاة بالذّهب، فلا عجبَ أن
يقول المقريزيّ "أنّه كان فيها أكثر من مليونٍ وستِّ مئةِ ألفِ كتاب"([39])
في الفقه والنحو واللغة والحديث والتاريخ والنجامة والروحانيات والكيمياء،
ومنها ثمانية عشر ألف كتاب في العلوم القديمة، وفيها ستّةُ آلافٍ وخمسُ مئةِ جزءٍ
من كتب النجوم والهندسة والفلسفة والفلك، وهذا يعني أن عددَ الكتب في الخزانة التي
أنشأها العزيز بالله الفاطمي منذ تأسيسها (365هـ) إلى أن استولى صلاح الدين على
الإرث الفاطمي في مصر(567هـ) زاد بما يقارب الستين ضعفاً، وقستُ ذلك على زيادة
زيادة نسخ كتاب الطبري، فقد كانت عند تأسيس الخزانة عشرون نسخة، وبلغت 1200 نسخة
عند استيلاء صلاح الدين على مصر .
إنّ مكتبةً فيها هذا العدد الضّخم من النُّسخ المكررة، وبعضها بخطّ أصحابها
لا يُعقل أن يكون فيها أقلّ من مليون كتاب مهما حاول بعض المؤرّخين من تخفيض عدد
الكتب فيها إلى مئة ألف كتاب أو مئة وستين ألفاً، فكيف نصديق مقولة ابن خلدون
"إنّ ما وجده صلاح الدين من الكتب يناهز مئة وعشرين ألف سفر"([40])،
أو كيف نصدّق قول العماد: " فإني أخذت من تلك الكتب جملة في سنة اثنتين وسبعين،
وكانت خزائن القصر مشتملة على قريب مائة وعشرين ألف مجلد "([41])، وإذا صدّقنا ذلك فكيف نفسّرُ ما نقل من أنّ "الآمر بأحكام الله([42])
عند وفاة وزيره الأفضل([43])
ابن أمير الجيوش بدر الجمالي صادر ممتلكاته، فكان من جملتها خمسُ مئةِ ألفِ كتاب،
نُقلت كلّها إلى مكتبة القصر"([44])
، وهذه مكتبةٌ بناها شخصٌ لنفسه، فكيف بتلك التي تكفّل بناؤُها الخليفة أو الدولة
!؟ ونقل المقريزيّ عن صاحب كتاب (الذخائر)، قال: "كنت بمصر سنة إحدى وستين
وأربع مئة فرأيتُ فيها خمسةً وعشرين جملاً موقّرةً كتباً محمولة إلى دار الوزير
أبي الفرج محمد بن جعفر المغربيّ"([45]).
وإذا صدّقنا ابن خلدون وغيره في مدّعاهم فكيف نفسّرُ ما ذُكر عن ابن أبي
طيّ، قال "واستمرّ البيع في موجودات القصر مدّةَ عشر سنين، وعلى مدى يومين في
الأسبوع، ومن جملة ما باعوه (من خزانة الكتب)، وكانت من عجائب الدّنيا، لأنّه لم
يكن في جميع بلاد الإسلام دارُ كتب أعظم من الدار التي بالقاهرة، ويقال أنّها كانت
تحتوي على ألفي ألفٍ وستِّ مئةِ ألفِ كتابٍ(مليونان وستُّ مئةِ ألفِ كتابٍ)، وكان
فيها من الخطوط المنسوبة أشياء كثيرة"([46])،
وحصّل القاضي الفاضل([47])
قدراً كبيراً منها، حين دخل إليها، فكلّ كتابٍ صلحَ له وأعجبه قطع جلدَهُ ورماهُ
في بركةٍ كانت هناك، فلما فرغَ الناسُ من شراء الكتب إشترى تلك الكتب التي ألقاها
في البركة على أنها مخرومة، ثمّ جمعها بعد ذلك، ومنها حصّل ما حصّل من الكتب"([48])،
وكيف نفسّر تسجيل الصفدي مشاهداته لكتب عبد الكريم بن علي (أخو القاضي الفاضل
الفاطمي)، قال: "..وكان كثير الرّغبة في تحصيل الكتب، مبالغاً في ذلك إلى
الغاية القصوى، ملكَ منها جملةً عظيمةً، لم يبلغنا عن أحدٍ من الرؤساء أنّ كتبه
وصلت إلى مبلغ كتب عبد الكريم، حتى قيل أنها مايتا ألف مجلّدة، قلتُ(الصفدي): وهي
موجودةٌ إلى عصرنا هذا، نشاهدُ إسمه عليها بقلم دقيق طويل الألفات على أعلى الكتاب
مما يلي يسار الناظر في أوّله فوق اسم الكتاب"([49])،
هذه مكتبةٌ جمعها فرد لثقافته أو لزينته فلا عجبَ أن تحوي المكتبة التي أسّسها
العزيز بالله الفاطمي ونكبت على يد صلاح الدين أقلّ من مليون كتاب .
وأنا أنقل كلاماً للمقريزي ولكنه مفيدٌ في المقام، لأنه ينيرُ لنا جانباً
مظلماً من مآثر تاريخ صلاح الدين في مصر الفاطميّة، وما فعله بكتب مخالفيه في
العقيدة والمذهب عنيتُ الفاطميين، قال المقريزي: "قال في كتاب الذخائر: عدة الخزائن
التي برسم الكتب في سائر العلوم بالقصر([50])
أربعون خزانة، واحدةٌ من الخزائن من جملتها ثمانية عشر ألف كتاب من العلوم القديمة،
وإن الموجود فيها ألفان وأربعمائة ختمة قرآن في ربعات بخطوط منسوبة زائدة الحسن محلاة
بذهب وفضة وغيرهما، ولما مات العاضد(567هـ) استولى صلاح الدين على
جميع ما كان في القصر، فإن قراقوش وجد من الكتب النفيسة ما لا يعد؛ ويقال إنّها كانت
ألف ألف وستمائة ألف كتاب، منها مائة ألف مجلد بخط منسوب، وألف ومائتان وعشرون نسخة
من تاريخ الطبري؛ فباع السلطان جميع ذلك، وقام البيع فيها عشر سنين ؛ ونقل أهل العاضد
وأقاربه إلى مكان بالقصر ووكل بهم من يحفظهم، وأخرج سائر ما في القصر من العبيد والإماء
فباع بعضهم وأعتق بعضهم ووهب منهم، وخلا القصر من ساكنيه.."([51])
وقد أصاب المكتبات الفاطمية الكثير من المحن
على طول الفترة التي حكموا فيها، ولا سيما في عهد المستنصر بالله الفاطمي(ت487هـ)،
فقد أصبحت الكتب تؤخذ من القصور الفاطميّة سداداً للدّيون، قال صاحبُ (كتاب
الذخائر): "وكنتُ بمصر في العشر الأول من محرم سنة إحدى وستين وأربعمائة(461هـ)،
فرأيت فيها خمسةً وعشرين جملاً موقرة كتباً محمولة إلى دار الوزير أبي الفرج محمد بن
جعفر المغربي، فسألت عنها، فعرفت أنّ الوزيرَ أخذها من خزائن القصر سداداً لديْنٍ
قدره خمسة آلاف دينار، ونهبت جميعها من داره يوم انهزم ناصر الدولة بن حمدان من مصر،
هذا سوى ما كان في خزائن دار العلم بالقاهرة، وسوى ما صار إلى عماد الدولة أبي الفضل
بن المحترق بالإسكندرية، وسوى ما ظفرت به ولاته وما صار إليه بالابتياع والغصب من الكتب
الجليلة المقدار، المعدومة المثل في سائر الأمصار صحة وحُسن خط، هذه الكتب عند انهيار الدولة الفاطمية أخذ جلودَها
عبيدُهم وإماؤُهم برسم عمل ما يلبسونه في أرجلهم، وأحرق ورقها تأوّلاً منهم أنّها خرجت
من قصر السلطان أعز الله أنصاره، وأنّ فيها كلام المشارقة الذي يخالف مذهبهم سوى ما
غرق وتلف، وحمل إلى سائر الأقطار، وبقي منها ما لم يحرق، وسفّت عليه الرّياحُ الترابَ،
فصار تلالاً باقية إلى اليوم في نواحي آثار تعرف بـ(تلال الكتب)"([52])
.
قال العسكري: "..أحرق
السّلاجقة مكتبةَ الشيخ الطوسيّ في بغداد لما استولوا عليها، وفُعِلَ أكثر من ذلك
مع خزائن كتب الخلفاء الفاطميين بمصر عند استيلاء صلاح الدين على الحكم"، فقد
غالى الأيوبيون في القضاء على كلّ أثر للشيعة، حيث أوقف صلاح الدين بن أيوب
التدريس في الأزهر، وأبطل المذهب الإسماعليّ (الشيعيّ)، "وعزل القضاة المصريين،
وكانوا شيعة، وأقام قاضياً شافعياً في مصر، فاستناب القضاة الشافعية في جميع البلاد"([53])،
وأنشأ المدارس لتقوم بتدريس الفقه السّني، وكان صلاح الدين قد أعطى القاضي الفاضل
عبد الرحيم البيساني من كتب الدولة الفاطمية ما يقدر بمئة ألف كتاب، وطرح الباقي
للبيع، فاستمرّ أكثر من عشر سنين، وهدم (دار الحكمة)، وبنى مكانها مدرسة
الشافعيّة، "ثمّ إنّ زوال الدّولة الفاطميّة الشيعيّة على يد الأيوبيين
السُّنّيين كان في الواقع إنتصاراً للسُّنّة على الشيعةِ"([54])،
فلا حول ولا قوة إلا بالله من قادة أعمت بصيرتهم العصبية والقبليّة والمذهبية
والضّغينة! .
خزانة
سابور(أو خزانة العلم في بغداد)
ظهر بنو
بويه في دنيا الإسلام في أوائل القرن الرّابع الهجري، ونسبُهم متأرجحٌ بين
الفرس والعرب، وتسنّموا السلطنة العباسيّة على حين غرّة، "فإنّ جدّهم أبا
شجاع بويه وأباه وجدّهُ كانوا كآحاد الرّعية الفقراء ببلاد الديلم، وكان بويه صيد
سمكٍ، رُزقَ ثلاثة أولادٍ تملّكوا البلاد، وهم: عماد الدّولة أبو الحسن علي، وركن
الدولة أبو علي الحسن، ومعزُّ الدولة أبو الحسين أحمد"([55]).
دخل أولاد أبي شجاع بويه في زيّ الأجناد،
وسرعان ما ارتقوا إلى مرتبة الأمراء، حينما كانوا في خدمة ملوك العجم، إلى أن
تربّع معزّ الدولة أحمد على دست السلطة في بغداد سنة 334هـ ، مستأثراً بالسّلطة
دون الخليفة، الذي لم يعد له من الخلافة إلا اسمها، وقد ملك من أولاد وأحفاد أبي
شجاع بويه أحدَ عشرَ ولداً، على مدى أكثر من قرنٍ من الزمن وبقي البويهيّون
يتقلّبون على دست السلطنة في بغداد إلى أن ظهر طغرلبك السّلجوقي "وما زال ضعف
دولة البويهيين يتزايد حتى انتهت نوبة المُلك إلى عزّ الدولة بن جلال الدولة أبي
طاهر، فجرى بينه وبين كاليجار حروب، أفضت إلى أنّه هرب منه، وأقام بشيراز، ومات
سنة 441هـ، وعليه انقرض حكمهم"([56])
عُرفَ بنو بويه بميولهم الشيعيّة، حيث دُفنَ
أكثرهم في مشهد الإمام علي(ع) في النجف الأشرف، "وقد كان جلال
الدولة يكثر من زيارة مشهديّ علي بن أبي طالب وابنه الحسين (عليهما السّلام) ، حتى
أنّه كان يمشي حافياً قبل أن يصل إلى كلّ مشهد منهما نحو فرسخ"([57]).
إتّخذَ البويهيّون وزراء اشتهر بعضهم كأبي الفضل
محمد بن العميد وإبنه عليّ، وكلاهما وزّرهما ركن الدولة بن بويه، وكان أبو الفضل
"يُسمّى الجاحظ الثاني"([58])،
ومن وزرائهم أيضاً الصّاحب بن عبّاد، وكان شاعراً مُجيداً، ومنهم أيضاً الوزير أبو
نصر سابور بن أردشير (336ـ416هـ) ، وُزّرَ لبهاء الدّولة البويهيّ ثلاث مرّات،
ووزّر أيضاً لشرف الدولة .
وكان سابور من أكابر الوزراء، ومحطّ
الشعراء، "وكان كاتباً سديداً عفيفاً عن الأموال، كثيرَ الخير، سليمَ الخاطر،
وكان إذا سمع المؤذّن لا يشغله شيءٌ عن الصّلاة"([59])
، وبعد أن وُزّرَ سابور لبهاء الدّولة اشتُهر بخزانة الكتب التي أنشأها سنة 381هـ
ببغداد في محلّة الكرخ بين السُّورَين، فعمّرها وبيّضها وسمّاها (دار العلم)،
ووقفها على أهلها الشيعة "ولم تكن في الدّنيا أحسنَ كُتباً منها، كانت كلّها
بخطوط الأئمّة المعتبرة وأصولهم المحرّرة، واحترقت فيما أُحرقَ من محال الكرخ عند
ورود طغرلبك أوّل ملوك السّلجوقيّة إلى بغداد سنة 447هـ"([60])،
وكان سابور قد أوكلَ إلى الشّريفين محمد بن أبي شيبة ومحمد بن أحمد الحسني ردَّ
النظر في أمور المكتبة ومراعاتها، والإحتياط عليها، وكان سابور قد ابتاع لخزانة
(دار العلم) الكتبَ من أنحاء البلاد، ونقل إليها كتباً كان قد ابتاعها لنفسه،
وجمعها لثقافته، وكان ـ كما تقدّمَ ـ قد وقفها على أهل محلّة الكرخ، وجعل فيها
كتباً كثيرة، ووقف عليها غلّةً كبيرة، فبقيت سبعين سنة، وكان في طيّاتها أندر
الكتب المخطوطة، وقد أشار بعض المؤرّخين أنّ عدد ما اشتملت عليه هذه الخزانة "كان
أكثرَ من عشرة آلاف مجلد، بل كان عددها بوجه التدقيق (10400) مجلد من أصناف
العلوم، منها مئة مصحف بخطّ ابن مقلة، حتى أخذ العلماء يحبسون عليها نُسخاً من
مؤلّفاتهم حتى أصبحت من أغنى دور الكتب في عاصمة العباسيين"([61])،
"وقد آلت خزانة (دار العلم) بعد وفاة سابور بسنين إلى المرتضى أبي القاسم علي
بن الحسن الموسوي نقيب الطالبيين"([62])
، ويكفي المكتبة الشيعيّة فخراً ما حوته مكتبة علم الهدى أبي القاسم بن الحسين
الشريف المرتضى في بغداد من كتب الشيعة التي ضاعت بعد دخول طغرلبك بغداد، قال صاحب
(الكنى والألقاب): "نقل صاحب مجالس المؤمنين عن بعض الأعلام أنّه ذكر في ذيل ترجمة
السيد المرتضى(ت435هـ)، بعد أن أثنى عليه، أنّه خلّف بعد وفاته ثمانين ألف مجلد من
مقروءاته ومحفوظاته سوى ما أهدى منها إلى الرؤساء"([63])
.
وكان مما ضاع من كتب الشيعة في هذه المكتبة
ما لا يعلمه إلا الله، ويكفي أن تعرف أن الأصول الأربع مئة التي كانت أصول الكتب الحديثيّة
عندَ الشّيعة قد ضاعت في هذه المكتبة ويحاول صاحب الذّريعة تفسير سبب ضياع هذه
الأصول، بقوله: "ثم إنّ بعد جمعِ الأصول في المجاميع قلّت الرغبات في استنساخ
أعيانها لمشقة الاستفادة منها، فقلّت نسخُها، وتلفت النسخُ القديمة تدريجاً ، وأوّلُ
تلفٍ وقعَ فيها إحراقُ ما كان منها موجوداً في مكتبة سابور فيما أحرق من محال الكرخ
عند ورود طغرل بيك اول ملوك السلجوقية إلى بغداد سنة 448هـ"([64])
.
ويظنّ صاحب الذريعة "كون جملة من كتب مكتبة
سابور الموقوفة للشيعة والمؤسسة لهم فى محلتهم كرخ بغداد كانت فيها الأصول الدُّعائية
التى رواها القدماء من أصحاب الأئمة عنهم..؛ وبالجملة هذه الأصول الدُّعائية التى كانت
فى مكتبة سابور بالعناوين العامة أو الخاصة كافتها صارت طعمةً للنار، كما شرحه ياقوت،
لكنّنا ما افتقدنا منها شيئاً إلا أعيانها الشخصية الموجودة فى الخارج المرتبة على
الهيئة الخاصة، وأمّا محتوياتها من الأدعية والأذكار والزيارات فقد وصلت الينا بعين
ما كان مندرجاً فى تلك الاصول"([65])
.
وذكر ابن الجوزي في أحداث سنة
451هـ، قال: "وثار الهاشميون وأهل باب البصرة([66])
إلى الكرخ فنهبوها وطرحوا النار في أسواقها
ودروبها، واحترقت دار الكتب التي وقفها سابور بن أردشير الوزير في سنة ثلاث وثمانين
وثلاث مئة، وكان فيها كتب كثيرة، واحترق درب الزعفراني وكان فيه ألفٌ ومائتا دينار
لكل دار منها قيمة، ونهبت الكوفة نيفاً وثلاثين يوماً"([67]).
ومما تقدّم: الظاهر أنّ مكتبة
سابور التي أسّسها سنة 381هـ قد أُحرقت على مرحلتي: الأولى عند دخول طغرلبك
السّلجوقيّ في بغداد سنة 447هـ ، والثانية عندما ثارت الفتنة بين السُّنّة
والشّيعة في بغداد سنة 451هـ . والله أعلم .
حرق مكتبة الشيخ الطّوسيّ
وهو من
مواليد طوس، شيخ الطائفة الشيعيّة أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسيّ (385هـ ـ
460هـ)، وعند بلوغه الثالثة عشرة من عمره هاجرَ إلى بغداد، حيث كانت الزعامة
الفكرية للشيعة الإماميّة قد أُسندت إلى الشيخ المفيد، وهو رائد العلوم العقليّة
والنّقليّة والحديث والرجال والأدب، لازم الشيخ الطوسي المفيد وتلمذ له واستفاد من
آرائه ومناظراته الكلاميّة، وبعد وفاة الشيخ المفيد (413هـ) إنتقلت الزّعامة
الدينيّة عند الإماميّة إلى الشريف المرتضى (355ـ436هـ) لما امتاز به من مقدرة
علميّة فذّة ونتاجات في مختلف العلوم كالفقه والتفسير والحديث وعلم الكلام والدب،
قال عنه تلميذه الشيخ الطوسي "متوحّد في علوم كثيرة، مجمع على فضله"([68])
، وكانت للسيد الشريف المرتضى مكتبة كبيرة تحتوي على أصناف العلوم والمعارف،
"ضمّت أكثر من ثمانين ألف مجلد"، بعد أن ضمّ إليه ما بقي من مكتبة سابور
بعد احتراقها سنة 447هـ وقد نهل الشيخ الطوسيّ من علومه وتلمذ له،"وبقي
ملازماً له طيلة ثلاث وعشرين عاماً" حتى وفاته سنة 436هـ، وبعد وفاة السيد
المرتضى استقلّ الشيخ الطوسيّ بالزعامة الشيعيّة في بغداد، واستمرّت زعامته مدّة
اثني عشر عاماً(436 ـ 448هـ)، وتقاطر عليه العلماء من مختلف المذاهب الإسلاميّة
لحضور مجلسه، فكانت له مكانة عند كافة المسلمين، حتى أنّ السبكيّ الشافعيّ نسبه
إلى المذهب، قال: "كان ينتمي إلى مذهب الشافعيّ وتفقّه عليه"([69])
والأمر ليس كذلك؛ بلغ عدد تلاميذه أكثر من ثلاث مئة تلميذ، وبلغ الأمر من الإعتناء
به وإكباره أن جعل له الخليفة العبّاسيّ القائم بأمر الله([70])
كرسيّ الكلام والإفادة، ولم يُعطَ هذا الكرسيُّ إلا لقليلين من كبار العلماء، أو
لمَنْ كان وحيد عصره، أو مَنْ برزَ في علومه، وبزَّ أقرانَه، وعمل الخليفة
العباسيّ يدلّ على تفوّق وبلوغ المدرسة الفكرية الإماميّة مرتبة عالية حتى اعترف
بها رسميّاً، وأصبح الشيخ الطوسيّ عميدَ هذه المدرسة في بغداد، فحازَ الثقة الكبرى
في طبقات الشيعة جمعاء في رواية الحديث وتحليله وتعليله، وأمّا في التصنيف فقد كان
الشيخ من المصنّفين الأجلاء، ففي كتابه الفهرست([71])
ترجم لنفسه، وذكر كتبه فاستغرقت منه صفحتين .
ومنذ أن ملك البويهيّون الأمر في بغداد
عام(334هـ) ازدادتِ العلاقة بين السُّنّة والشّيعة توتراً، ففي العاشر من محرّم من
سنة(352هـ) "امرَ معزّ الدولة بن بويه أن تُغلقَ الأسواقُ، وأن تلبس النساء المسوح
من الشَّعْر، وأن يخرجنَ في الأسواق حاسراتٍ عن وجههنّ، ناشراتٍ شعورهم، يلطمنَ وجوههنّ،
وينحنَ على الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهما السّلام)، ولم يمكن أهل السُّنّة منع
ذلك لكثرة الشّيعة، وظهورهم وكون السّلطان معهم، وفي عشر ذي الحجة منها أمرَ معزُّ
الدولة بن بويه بإظهار الزينة في بغداد، وأن تفتح الأسواق بالليل، كما في الأعياد،
وأن تُضرب الدّبادبُ والبوقاتُ، وأن تشعل النيران في أبواب الأمراء وعند الشُّرط فرحاً
بعيد الغدير غدير خم، فكان وقتاً عجيباً مشهوداً وبدعةً شنيعةً ظاهرةً منكرةً"([72])
، وفي العاشر من محرّم من سنة 353هـ " عملت الرافضةُ عزاءَ الحسين، كما تقدم في
السنة الماضية، فاقتتل الروافض وأهلُ السُّنّة في هذا اليوم قتالاً شديداً، وانتهبت
الأموال"([73])،
وهكذا كان يتكرّرُ الأمر نفسه في السنوات اللاحقة، والسّببُ دوماً، كما قرأت، غدير
خمِ الإمام علي(ع)، وعاشوراء ابنه الحسين بن علي بن أبي طالب، فلا حولَ
ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم !
وقبل أن أعرض لما حلّ بكُتب ومكتبة الشيخ
الطوسي في بغداد أعرّجُ إلى خرسان لأتناول ما فعله محمود بن سبكتكين(388ـ421هـ)
(أو محمود الغزنوي) بالبويهيين الشيعة وكتبهم هناك، حيث أزال سلطانهم من الرّي
وبلاد الجبل حين كان فيها مجد الدولة البويهي، "ولما ملك محمود الرّي كتب إلى
الخليفة القادر بالله يذكر أنّه وجد لمجد الدولة من النساء الحرائر ما يزيد على خمسين
امرأة،.. وصلب من أصحابه الباطنيّة خلقاً كثيراً، ونفى المعتزلة إلى خراسان، وأحرق
كُتُبَ الفلسفة ومذاهب الإعتزال والنجوم، وأخذ من الكتب ما سوى ذلك مائة حمل"([74]) .
ونعودُ إلى بغداد سنة 447هـ حيث دخلها
السّلاجقة، فاستخدموا أبشعَ الأساليب للقضاء على على الحريّات الفكريّة والإجتهاد
العقليّ، ولم يكن لهم من همٍّ سوى أن يحرقوا تراثاً كاملاً ما دام يمثّلُ فكراً
مُخالفاً لمعتقداتهم كما حدث ذلك لمكتبة سابور بن أردشير التي مرّ ذكرها، وقد
تمثّلت سياسة السّلاجقة بإذكاء العصبيات المذهبيّة، وخلْق وتغذية الإنقسامات
الإجتماعيّة والدّينيّة في المجتمع العراقي، وخاصةً أن بذورها كان قد بُذرت منذ
منتصف القرن الرابع الهجري، فتحوّلت الخلافة الفكريّة بين المذاهب الإسلاميّة من
خلافات فكريّة نافعة إلى معارك دمويّة مدمّرة، إستفاد منها السّلاجقة الغرباء،
فكثرت بذلك المنازعات والإنقسامات والفتن في العراق عامّةً، وفي بغداد خاصةً،
وشهدت الفترة الواقعة ما بين 447هـ حتى سنة 571هـ ما يُقارب من ستّ عشرة حادثةَ
نزاعٍ مذهبيٍّ وطائفيٍّ، وبالأخص في بغداد، وما صاحب ذلك من عمليات قتل ونهب
وإحراق وتدهور في الأوضاع السياسيّة والإجتماعيّة والإقتصاديّة، وكان السلاجقة قد
"دخلوا الإسلام على المذهب السُّنيّ، فأنشأوا المدارس النّظاميّة، وأوقفوا
التطور الفكريّ الذي اتّجه إليه الشّيعة والمعتزلة وغيرهم ممّن يأخذون بالنّزعة
العقليّة"، وعلى الرّغم من جهود السّلاجقة الحثيثة لإضعاف الفكر الشّيعيّ
الإماميّ وتفتيت قوّة الشّيعة العلميّة في العراق فإنّ جهودهم باءت بالفشل، لأنّ
نشاط علماء الشيعة ومفكّريهم وكثرة انصارهم وما خلّفوه من تراث فكريّ كبير كلّه
دلّ على أنّ الفكر الإماميّ لم تنطمس آثاره كما كان مخطط له، وفي مثل هذا الجوّ
الملبّد والمفعم بالحقد والكراهية أصبحت حياة الشيخ الطوسيّ مهدّدةً، مما دعته إلى
مغادرة بغداد سنة (448هـ) والرّحلة إلى النجف من أجل إحياء مدرسته وبناء دعائمها
من جديد .
سكن الشيخ الطوسيّ جانب الكرخ من بغداد، وهو
مكان تجمّع الشيعة أتباع أهل البيت، وبعد دخول السّلاجقة بغداد صارت مسرحاً لأنواع
الفتن، واشتدَّ عنفها سنة(448هـ) "وفيها ألزم الروافض بترك الآذان بـ(حيّ على
خير العمل)، وأُمروا أن ينادي مؤذّنهم في آذان الصبح بعد (حيّ على الفلاح) بـ(الصّلاة
خيرٌ من النوم) مرّتين، وأُزيلَ ما كان على أبواب المساجد من كتابة (محمدٌ وعليٌّ
خير البشر)، ودخل المنشدون من باب البصرة إلى باب الكرخ ينشدون بالقصائد التي فيها
مدح الصّحابة، وذلك أنّ نوءَ الرّافضة اضمحلّ، لأنّ بني بويه كانوا حكاماً وكانوا يقووّنهم
وينصرونهم، فزالوا وبادوا وذهبت دولتهم، وجاء بعدهم قومٌ آخرون من الأتراك السلجوقية،
الذين يحبون أهل السُّنّة ويوالونهم ويرفعون قدرهم، والله المحمود أبداً على طول المدى،
وأمرَ رئيسُ الرؤساء الوالي بقتل أبي عبدالله بن الجلاب شيخِ الروافض لما كان تظاهر
به من الرفض والغلو فيه، فقتل على باب دكّانه، وهرب أبو جعفر الطوسي ونهبت داره
بالكرخ، وأخذ ما وجد من دفاتره وكرسيّ كان يجلس عليه للكلام"([75])،
وكانت هي المرّة الأولى التي تُنهب فيها دار الشيخ الطوسيّ، وتكرّر الأمر في سنة
(449هـ) "وفيها كثرت العياريون ببغداد، وأخذوا الأموالَ جهاراً، وكبسوا الدُّور
ليلاً ونهاراً، وكبست دارُ أبي جعفر الطوسيّ متكلم الشيعة، وأحرقت كتبه ومآثره ودفاتره
التي كان يستعملها في ضلالته وبدعته ويدعو إليها أهل ملته ونحلته ولله الحمد"([76])،
فانظرْ إلى ابن كثير كيف يحمدُ اللهَ على القتل والنّهب وحرق الكُتب وإبادة
المعرفة !
إنّ القتل والحرق والنّهبَ كان ديدن
السّلاجقة ومَنْ تبعهم من أهل بغداد، حيث صارت بغداد بعد دخول السّلاجقة إليها
مشاعاً للقتل والنهب وأنواع الفتن، ولم يسلم مفكّرو شيعة أهل البيت من هذا الحقد
الدّفين، ولم يراعوا في كبير علماء بغداد إلاً ولا ذمّةً، فقد كُبست دارُهُ ونهبت
"وأُحرقت كتبه وآثاره ولمرّاتٍ عديدة بمحضر من الناس"([77])،
"وأحرقوا كرسيّ التدريس الذي منحه إيّاه الخليفة القائم بأمر الله"([78])
، "وأحرقت كتبه على رؤوس الأشهاد في رحبة جامع القصر"([79])،
ونستنتج مما سبق أنّ دار الشيخ الطوسي وكتبه وآثاره قد نُهبت وأُحرقت أكثر من
مرّة، وكأنّ بين اؤلئك وهذا الشيخ الجليل عداءاً تاريخيّاً، ينفسون حقدهم بكتبه
وآثاره كلّما سنحت لهم الفرصة إلى ذلك، وهذا ما قاله السبكي"..إنّ كتبه
أُحرقت عدّة نوب بمحضرٍ من الناس"، فهاجر شيخنا الطوسيّ إلى النجف الأشرف،
وأسس الحوزة العلميّة في العتبة المقدّسة العلويّة، فتسلّلت إليه روّادُ العلم
وظماء الفضائل، حتى برعوا بفضله الجمّ، ونشْرِ ألوية العلم والدّين بعده".
توفّي الشيخ الطوسيّ في النجف الأشرف سنة
460هـ عن خمسٍ وسبعين سنةً، ودُفنَ في داره التي تحوّلت بعده مسجداً في موضعه
اليوم، وخلّفه على العلم والتُّقى ولدُهُ الشيخ أبو علي الملقّب بالمفيد الثاني
الحسن بن محمد أبو الحسن الطوسيّ (ت515هـ) صاحب كتاب المجالس .
مكتبة الصاحب
ابن عبّاد
وهو أبو القاسم إسماعيل بن عبّاد، وزير فخر
الدّولة البويهيّ في الرّيّ، ولد سنة 326هـ، "وتوفّي سنة خمس وثمانين وثلاث
مئة بالريّ، وكان أوحد زمانه علماً ورياسةً ورأياً، عارفاً بالكتابة ورسائله
مشهورة ومدوّنة"([80])
، أخذَ اللّغة والأدب عن أحمد بن فارس اللغوي وأبي الفضل ابن العميد، ولُقّب
بالصّاحب لأنّه كان يصحبُه، أو لأنّه صحب مؤيّد الدّولة بن بويه منذ الصّبا،
"واستمرّ عليه هذا اللقب، واشتُهر به كلّ مَن وليَ الوزارة بعده"([81])
، صنّف في اللّغة كتاباً سمّاه (المحيط) وهو في سبع مجلّدات، وكتاب (الوافي) في
الرسائل، وكتاب (الإمامة) يذكر فيه فضائل علي بن أبي طالب، وكتاب (الكشف عن مساوئ
شعر المتنبّي)، "فكان عالماً بفنون كثيرة، وله تصانيف حسان، ونثر بالغ، وكان
يخالط العلماء والأدباء، ويقول لهم: نحن بالنّهار سلطان، وبالليل إخوان"([82])،
"وحكى أبو الحسين محمد بن الحسين الفارسيّ النّحويّ أنّ نوح بن منصور([83])
أحد ملوك بني سامان كتبَ إليه ورقةً في السّرّ يستدعيه ليفوّض إليه وزارته وتدبير
أمر مملكته، فكان من جملة أعذاره إليه أنّه يحتاجُ لنقل كتبه خاصّةً إلى أربع مئة
جمل"([84])،
ومثل هذا قاله أكثر من مؤرّخ، قالوا: "وجمع من الكتب ما لم يجمعه غيره، حتى
أنّه كان يحتاج في نقلها إلى أربع مئة جمل"([85]).
إنّ مكتبةً هذا حجمها جُمعت في
زمنٍ مبكّرٍ من تاريخ الإسلام إنّما تدلّ على سعة التأليف وغزارته وتنوّعه، وضخامة
قدر هذا المكتبة وكثرة مؤلّفاتها، فهي مكتبة خاصّة جمعها صاحبها لثقافته، فكيف
بتلك التي في قصور الأمرار والوزراء والأثرياء والأعيان والجوامع والبيمارستان..،
يتحدّث ابن عبّاد واصفاً خزانة كتبه، فيذكر "أنّها تشتملُ على مائة ألف وسبعة
عشر ألف مجلد(11700 مجلد)"([86])،
أقول: إنّ خزانةَ كتبٍ يملكها شخصٌ واحدٌ أديبٌ لثقافته عاش في القرن الرابع
الهجري إنْ دلّ على شيء فإنّه يدلّ على مقدار اهتمام المسلمين بالعلم وإنتاجه، في
الوقت الذي كان فيه الغرب غارقاً في جهله وأوهامه وتخرّصاته وحروبه ونزاعاته،
فمكتبة الصاحب ابن عبّاد تفوقُ في موجوداتها مجموع ما وجد في مكتبات أوروبا مجتمعةً
في تلك الحقبة الزّمنية) القرن العاشر
الميلاديّ = الرابع
الهجري)، يقول ويل ديورانت: "وكان عند بعض الأمراء كالصاحب بن عباد من الكتب بقدر
ما في دور الكتب الأوربية مجتمعةً"([87])
، ويقول "ريسلر" يصف النشاط العلميّ في الدّولة الإسلاميّة، فأنّى
اتجهتَ تجد العلم والعلماء والكتب والثقافة، قال: "عاش النّاس ورأوا ما بين
القرن التاسع والقرن الثاني عشر الميلاديين ما لم يكونوا قد صادفوه أبداً، ففي كلّ
مكان شغفٌ شديدٌ بالكتب، وألفُ جامعٍ تسطع ببيان العلماء وبلاغتهم، ومائة بلاط
أميريٍّ تصدح فيها ألسنة الشعراء أو الفلاسفة، ودروب مكتظة بالجغرافيين والمؤرخين
والفقهاء الباحثين عن العلم والمعرفة، إنها أعظم يقظة فكرية في التاريخ
الإسلامي"([88]).
وبالعودة إلى خزانة كتب الصاحب يقول عنها
ياقوت الحموي تحوي "ما يُحمل على أربع مئة جمل أو أكثر"([89])،
ويستمر ياقوت في حديثه عن الصاحب بن عباد، فينقل عن البيهقيّ قوله: "بيتُ الكتب
الذي بالرّي دليلٌ على ذلك، بعدما أحرقه السّلطانُ محمودٌ ابن سبكتكين، فإنّي طالعتُ
هذا البيت فوجدتُ فهرست تلك الكتب عشرَ مجلدات، فإنّ السّلطانَ محموداً لما وردَ إلى
الرّي، قيل له: إن هذه الكتب، كتب الروافض وأهل البدع، فاستخرج منها كل ما كان فى علم
الكلام، وأمر بحرقه"([90])،
يقول السيد الأمينيّ صاحب (الغدير): "يظهر من كلام البيهقيّ هذا أنّ عمدةَ الكتب
التي أُحرقت هي خزانة كتب الصّاحب، وهكذا كانت تعبث يد الجور بآثار الشّيعة وكتبهم
ومآثرهم، وكان خازن تلك المكتبة ومتوليها أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي المقري المتوفى
(381 هـ) وأبو محمد عبد الله الخازن بن الحسن الاصبهاني"([91]).
حرق المكتبات في جبل عامل على يد
الجزار(1735/1804م)
أحمد باشا الجزّار مسيحيٌّ من مقاطعة البوسنة، لجأ إلى الأستانة إثر
محاولته الإعتداء على زوجة أخيه، وكان في السّادسةَ عشرةَ من عمره، هناك باع نفسه
إلى أحد تجّار الرقيق، فسمّاه أحمد بعد دخوله في الإسلام، إشتراه علي بك الكبير
حاكم مصر وعيّنهُ جلاداً بعد أن أعتقه، فجاءت هذه الوظيفة موافقة لفطرته بالقتل
وسفك الدّماء، حتس حسبه الناس نوعاً من الوحوش الضّارية فلقّبوه بالجزّار، وكان هو
شديد الإفتخار بهذا اللّقب، بالغَ الحرص على أن يكون جديراً به، وكان جديراً به...
إلتجأ الجزار إلى دمشق، ومنها إنتقل إلى لبنان، فدخل في خدمة المير يوسف الشّهابيّ
الذي عيّنه متسلّماً على مدينة بيروت..وفي سنة 1775م إغتيلَ الشيخ ظاهر العمر على
يد أحد رجاله، فتسلّمَ أحمد باشا الجزار الولاية على عكا عام1776م، وكان أوّل همّه
إخضاع جبل عامل، ودارت بينهم معركة يارون عام1781م، وانتهت بانتصار الجزّار
واستيلائه على جبل عامل، وخضع له طيلة ربع قرن من الزمن حتى وفاته عام 1804م،
فتنفّس جبل عامل الصّعداء .
إتّخذَ الجزّار عكا عاصمة له، وأقام فيها المسجد الكبير على اسمه كي يخلّده
كحاكم في فلسطين، وإلى جانب المسجد بنى المدرسة والمكتبة الأحمديّة، وجعل المسجد
نواةً للمكتبة، وعلى عادة الملوك والأمراء فقد عمدَ الجزّار إلى امتلاك كلّ ما يقع
تحت يده من كتب ومخطوطات، ولو بالنّهب والسّطو، ووضعها في خزانة مكتبة الأحمدية،
فكيف إذا كان الناهبُ جزّاراً!؟
يقول فيليب طرازي: "جمع الجزار في مكتبة الأحمدية كلّ المخطوطات التي
انتزعها من أنحاء البلاد الخاضعة لولايته، ولا سيما من خزائن (دير المخلص) قرب
صيدا، ومن خزائن الشيخ خيري مفتي الرملة، وانتهب الجزار نفسه مكتبات جبل عامل
وخصوصاً مكتبة آل خاتون في قرية (جويّا)، وكانت غنيّةً بمخطوطاتها، إذ أنافَ عددها
على خمسة آلاف مجلّد، فأمر أعوانَهُ أن ينهبوا من تلك المكتبة كلَّ ما استطاعوا،
وينقلوه إلى عكا، فاضّطر فريقٌ من أولئك العلماء أن يخفوا مخطوطاتهم عن المعتدين،
ويطمروها في صناديق تحت الرض، حيث أتلفت الرطوبةُ جانباً وافراً منها، وعلى الرغم
مما يبعثر من مخطوطات جامع الجزار فقد سلم منها قسمٌ يقال أنّ عدد مجلّداته يبلغ
الآن خمسمائة مجلّد أكثرها مخطوط"([92]).
ويظهر أن المجتهد الأكبر العلامة السيد محسن الأمين العامليّ(1284هـ ـ
1371هـ) قد اطّلع على واحدة من هذه المخطوطات المنهُوبة من جبل عامل مع شخصٍ
فلسطينيّ فيها نسبٌ لجدّه، وهذ الشخص كان يدّعي أنّه يعود في نسبه إلى ما ذُكر في
هذه المخطوطة، قال العلامة الأمين: "وجدتُ مع بعض الفلسطينيين بخطٍّ غاية في
الجودة، وعليه خطوط العلماء من الفريقين وشهاداتهم، وفيه ذكر أبناء الحسن المذكور
وغيرهم من متفرّعات العشيرة، وقد ادّعاهُ هذا الفلسطينيّ، وادّعى أنّه من ذرّيّة
صاحب النّسب، ولا ندري كيف وصل إليه، ولعلّه مما نُهبَ في حادثة الجزارمن ذخائر
جبل عامل، ومنها الكتب التي أُقدت في أفران عكا برهةً من الزمن، واختار علماء عكا
منها جملةً من نفائس مخطوطاتها فأخذوها، وكان هذا النّسب منها، والله أعلم"([93])
.
وقد أجمع العلماء على أنّ أحمد باشا الجزار قد نهب خزائن كتب العامليين بعد
معركة (يارون) من قرى جبل عامل عام 1195م، ويارون قرية متاخمةٌ لحدود فلسطين
الشمالية جرت فيها معركة بين الجزار والعامليين على حين بغة، وانجلت المعركة عن
انهزام العامليين ومقتل كبير مشايخهم ناصيف نصّار الصّغيري الوائليّ ، ولم ينجُ
منهم ـ بعد استصفاء مكتباتهم الحافلة بنفائس الكتب ـ إلا مَنْ كُتب له السّلامة
بالفرار، وقد روى العامليون أنّ ما انتُهب من مكتبة آل خاتون التي كانت تحتوي
أربعة آلاف مجلّد، فما بالكَ فيما انتهب من المكتبات الأخرى الكثيرة؟"([94])
.
ومكتبة آل خاتون تعود إلى "الشيخ علي خاتون الذي هاجر في طلب العلم
مدّة، ثمّ رجع إلى بلاده طبيباً مُتفنّناً أديباً، وبليَ بفتنة الجزار فصودر
مالُهُ، وضُبطت املاكُهُ، وحُبسَ مرّتين، ولم تقبل منه فديةٌ، ثمّ أُخذت المكتبة
الكبرى لآل خاتون، والشيخ المذكور وليَ امرها، وكانت تحوي خمسةَ آلاف مجلد من
الكتب الخطّيّة النادرة، فأمست في عكا طعماً للنار، واستصفى الجزار آثارهم(علماء
جبل عامل) العلميّة، فكان لفران عكا من كتب جبل عامل ما أشغلتها بالوقود أسبوعاً
كاملاً، وكانت هي الضربة الكبرى على العلم وأهله"([95])
.
وحرق كتب العامليين في أفران عكا أيّامَ الجزار يؤكّدُهُ فيليب طرّازي في
رواية أحد العامليين، يقول طرازي: "أخبرني الحاج أحمد عارف الزين صاحب مجلة
العرفان في صيدا أنّ الجزار أجهز في تلك الثورة على خزائن كتب جبل عامل، ونقلها
إلى مدينة عكا، وبينها مكتبة مهدي خاتون في قرية (جويّا) كانت تشتمل على زهاء
أربعة آلاف مخطوط، فانتقى الجزار قسماً منها ضمّهُ إلى خزائن الجامع المعروف باسمه
وهو جامع الأحمديّة في عكا"([96])،
هذه المجزرة بحق المعرفة ارتكبها جزّارٌ حاقدٌ جاهلٌ مغمور النسب، مشتهرٌ بالسيرة السيّئة
والأخلاق المنحطّة، وسلسل السيد حسن الصّدر أفعال الجزار في العامليين في معرض
ترجمته للشيخ علي خاتون العامليّ، قال: " وهو أحد العلماء
الذين عذبهم أحمد الجزار، كان يحمي له السّاج الحديد في النار ويضعه على رأسه، فيقول
الشيخ "يا الله" فيكون السّاج عليه برداً وسلاماً ؛ وضبط الجزار أملاكَهُ
وخزانةَ كتبه المحتوية على خمسة آلاف كتاب وحبسه مرتين.. وكان مبدأ حكم الجزار سنة
إحدى وتسعين ومائة بعد الالف في عكا، وفي سنة سبع وتسعين أرسل إلى (شحور) عسكراً فقتل
مقتلة عظيمة وأخذ الأسرى، وفي سنة ثمان ومائتين وألف فتك بأهالي بشارة وقتل منهم جماعة
خنقاً في الحبس، وفيها عذب الشيخ علي خاتون وغيره، وفي سنة (1212هـ) أهلَكَ أهل بلاد
جبل عامل قتلاً وحبساً حتى أهلك الحرث والنسل، حتى أنّه كان يعذبهم في الحبس بتسليط
الكلاب وضرب مقارع الحديد، واستمرت الشدة إلى سنة تسع عشرة ومائتين وألف، فهلك الجزار
لعنه الله وأراح أهل البلاد منه"([97]).
حرق كُتب ابن
لَهِيْعَه
عبد الله بن لَهِيْعَه بن عُقبة الحضري
(96هـ ـ 174هـ) ، كان كثير الرواية في الحديث والأخبار، ولاهُ أبو جعفر المنصور
القضاء بمصر في مُستهلّ سنة خمسٍ وخمسين ومائة، وهو أوّلُ قاضٍ ولي بمصر من قِبَلِ
الخليفة، وكان ولاةُ البلد هم الذين يولّون القضاة، توفّي منتصف ربيع الأول سنة
أربعٍ وسبعين ومائة، وكان مولده سنة سبعٍ وتسعين للهجرة([98])
.
كان ابن لهيعة عالم الدّيار
المصريّة وقاضيها ومفتيها ومحدّثها، وقد وثّقه قومٌ وضعّفه آخرون، قال ابن داوود:
"سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: لم يكن بمصرَ مثل ابن لهيعة في كثرة حديثه وضبطه
وإتقانه"([99])،
وعن حديثٍ نقله ابن وهب عن ابن لهيعة قال: "حدّثني به ـ والله ـ الصّادق
البار عبد الله بن لهيعة"([100])،
وقد اعترف الذهبيّ أن ابن لهيعة جمّاعٌ للعلم بيدّ أنّه ليّن حديثه، قال:
"كان من بحور العلم على لينٍ في حديثه،..روى مناكير، ولا ينبغي إهداره،
وتتجنّب تلك المناكير"([101])،
وفي المقابل ضعّفَ كثيرون ابنَ لهيعة ووهّنوا حديثه، منهم ابن معينٍ قال عنه:
"ليس بذاك القويّ"([102])،
وكان يحيى بن سعد "لا يراه شيئاً"([103])
، وضعّفه ابن قتيبة الدينوريّ وعدّه من رجال الشّيعة([104])،
وسببُ تضعيف ابن لهيعة ولين حديثة وتوهينه هو تشيّعه، ففي عنعنة طويلة عن
"ابن لهيعة عن الحبلي عن عبد الله بن عمرو أنّ رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم قال في مرضه: ادعوا إليّ أخي، فدعوا له أبا بكر، فأعرضَ عنه، ثمّ قال: ادعوا إليّ أخي، فدعوا له عمر، فأعرضَ عنه،
ثمّ قال: ادعوا إليّ أخي، فدعوا له عثمان، فأعرض عنه، ثمّ قال: ادعوا إليّ أخي، فدُعيَ
له عليٌّ بن أبي طالب، فَسَتَرَهُ بثوبٍ وانكبَّ عليه، فلمّا خرج من عنده قيل له: ما
قال ؟ قال علّمني ألفَ بابٍ يفتح كلّ باب ألف باب، قال ابن عدي: وهذا هو حديث منكرٌ،
ولعل البلاءَ فيه من ابن لهيعة، فإنّه شديدُ الإفراط في التشيع، وقد تكلّم فيه الأئمةُ
ونسبوهُ إلى الضّعف"([105])،
وعن هذا الحديث قال الذّهبيّ: "فلعلّ البلاء فيه من ابن لهيعة، فإنّه مفرطٌ
في التشيّع، وهو تهاون بالإتقان، وروى مناكير، فانحطّ عن رتبة الإجتجاج به عندهم، وبعضهم
يبالغ في وهنه، ولا ينبغي إهدارهُ، وتتجنّب تلك المناكير، فإنّه عدلٌ في نفسه"([106])،
فتوهينُ ابن لهيعة وجعل أحاديثه منكرة سببُهُ عليّ بن أبي طالب(ع) لا
غير، ولولاه لكان الرجل ثقةً حافظاً ضابطاً متقناً..، ولعل علياً(ع) هو
السّبب في إحراق مكتبته، قال يحيى: "أنكر أهل مصر إحتراق كتب ابن لهيعة، وهو
ضعيف قبل أن تحترقَ وبعدما احترقت"([107])،
وقال قتيبة بن سعد: "لما احترقت كتب ابن لهيعة سنة سبعين ومائة بعث إليه
الليث بن سعد من الغد بألف دينار"([108])،
والظّاهر من إنكار أهل مصر احتراق منزل وكتب ابن لهيعة أنه كان بفعل فاعل، وهو عمل
تفوح منه رائحة الحقد والمذهبية الضّيّقة، ويمكن تفسير ذلك على ضوء توثيق الرّجل
وتضعيفه، فمن العلماء مَن وثّق ابن لهيعة قبل احتراق الكتب وطعنَ به بعد احتراقها،
وبالجملة فإنّ نظرة بعض العلماء إلى ابن لهيعة تشوبها علامة استفهام كبرى، قال ابن
حبّان: "من أصحابنا مَن يقول: مَنْ سمع منه قبل احتراق كتبه سماعٌ صحيحٌ،
ومَنْ سمع بعد احتراقها فليس بشيء"([109])،
"وذُكرَ عند يحيى إحتراق كتب ابن لهيعة، فقال: هو ضعيفٌ قبل أن تحترقَ وبعدما
احترقت"([110])
.
تلف كتب محمد بن أبي عمير (... ـ 217هـ)
وهو محمد بن زياد، لأنّ اسم
(أبي عمير) زياد، كان من أوثق الناس عند العامّة والخاصّة، وكان أوحد زمانه في
الأشياء كلّها، وأدرك من الأئمّة (عليهم السلام) ثلاثةً: موسى الكاظم وعليّ الرّضا
ومحمد الجواد (عليهم السلام)، وروى عنه أحمدُ بن محمد بن عيس كتبَ مئة رجلٍ من
رجال الصّادق(ع)، وله مصنّفات كثيرة، ذكر ابن بطّة أنّ له أربعةً
وتسعين كتاباً([111])
.
قال عنه النجاشيّ: "
جليل القدر عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين، وكان حبس في أيام الرشيد، قيل ليدل على
مواضع الشيعة وأصحاب موسى بن جعفر عليه السلام، وروي أنه ضُرب أسواطاً بلغت منه، فكاد
أن يقر لعظم الألم، فسمع محمد بن يونس بن عبد الرحمن وهو يقول: (اتق الله يا محمد بن
أبي عمير)، فصبر ففرج الله عنه، وروي أنّه حبسه المأمون حتى ولاه قضاء بعض البلاد،
وقيل إن أخته دفنت كتبه في حال استتارها وكونه في الحبس أربع سنين فهلكت الكتب، وقيل
بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت، فحدث من حفظه، ومما كان سلف له في أيدي
الناس، فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله؛ وقد صنف كتباً كثيرة"([112]).
وروى ابن داوود الحلّي، قال:
"حُبس ابن أبي عمير بعد الرّضا، ونهب ماله، وذهبت كتبُهُ، وكان يحفظ أربعين
مجلّداً"([113])
.
ويظهر من الروايات أنّ ابن أبي
عمير حُبس مرّتين: مرّة عند الرشيد لتشيّعه، "وضرب مائة خشبة وعشرين خشبة أيام
هارون لعنه الله، تولى ضربه السّنديُّ بن شاهك على التشيع وحبس، فأدى مائة وأحداً وعشرين
ألفاً حتى خلي عنه"([114])
، وأخرى عند ابنه المأمون لإجباره على تولي القضاء وهو لا يريده، والظّاهر أنّ
كتبه تلفت أثناء وجوده في حبس المأمون وبعد وفاة الإمام الرضا سنة 203هـ، وضربُ
الرشيد له واضحٌ مفهومٌ، لأنّ الرشيد كان كارهاً للعلويين، فقد أنزلَ أشدّ
العقوبات بهم أو بمَن اتُّهم بالميل إليهم، وهذا ليس غريباً عن الرشيد، فقد "قبض
على موسى بن جعفر (عليهما السلام)، وأحضرهُ في قبّة إلى بغداد، فحبسهُ في دار
السّنديّ بن شاهك، ثمّ قتل وأظهر أنّه مات حتف أنفه"([115])
؛ والسّؤال الأهمّ: لماذا رفض ابن أبي
عمير أن يتولّى القضاء للمأمون ؟ وهو الخليفة المعروف بتشيّعه، "ففي سنة
201هـ خلع المأمون أخاه المؤتمن من العهد، وجعل ولي العهد من بعده علي الرضا بن
موسى الكاظم بن جعفر الصادق، حمله على ذلك إفراطه في التشيّع"([116])،
حتى ظنّ البعض أنّه سيعيدُ الخلافة إلى أصحابها الحقيقيّن أبناء عليّ(ع)،
فقال بعض آل بيت المأمون له: "إنّك على برِّ أولادِ عليٍّ والأمرُ فيكَ أقدرُ
منكَ على برِّهم والأمرُ فيهم"([117])
.
إنّ حقيقة المأمون تختلف عن
الظّاهر والمظاهر التي نقلها السيوطيّ وغيرُهُ، فالمأمون كان تشيّعُهُ تشيّعاً
استعراضياً يبغي من ورائه مصلحةً سياسيّة، فهو صانعَ الشيعة من العلوييين وعطف
عليهم، وتظاهر بالولاء لعليّ وآل عليّ، واستدعى الإمام الرضا إليه وجعله ولياً
للعهد، وأدرك الإمام ما يكمن وراء تظاهر المأمون بولائه واستدعائه له إلى خراسان
من أخطار على حياته، فرفض واعتذر عن المجيء، ولكنّ المأمون أصرّ وهدّد، فرضخ
الإمام وحوقل..ثمّ إنّ ولاية العهد كانت بمشورة من الفضل بن سهل، ولما ثارت بغداد
مع إبراهيم بن المهدي بسبب ذلك أدرك المامون خطأ الفضل، فخرج من مرو منصرفاً إلى العراق،
واحتال على الفضل، فقتله، وسمّ علي بن موسى الرضا .
ولن تكون ولاية عهد المامون للإمام الرضا حقيقةً
واقعةً وهو الذي قتل أخاه الأمين لأجل الحكم، وهو الذي ضحّى بعشرات الألوف من
الأبرياء لأجل الحكم، وهو الذي كان طيلة حياته يردّد كلمة أبيه الرشيد "الملك
عقيم، واللهِ لو نازعتني فيه لأخذتُ الذي فيه عيناك"، فتشيّع المأمون هدفه
تضليل الناس بسلامة قصده، والمراوغة والدهاء السياسي، وهذا ما علمه الإمام علمَ
اليقين، فهو يريد منه أن يكون واجهةً يتستّر بها لأهدافه ومصالحه، ولهذا نجد
الإمام في الشّروط التي شرطها على المأمون وقبل بها ما يدلّ على ذلك، كتب الإمام
يقول: " أنّي داخلٌ في ولاية العهد، على أن لا آمر ولا أنهى ولا أفتي ولا أقضي
ولا أولّي ولا أعزل ولا أغيّر شيئاً ممّا هو قائم، وتعفيني من ذلك كله"([118])،
هذا النص يدلّ على قبول الإمام ولاية العهد بشرط أن يُعفى من التدخّل والتّصدّي
لأمور البلاد والعباد، ويكشف أنّه لم يقبل تلك النيابة وولاية العهد، لأنّها آتيةٌ
من حاكم ظالمٍ غاشمٍ، لا يرى له حقاً في الخلافة حتى يجعل النيابة في مَن يشاء .
وبالعودة إلى ابن أبي عمير،
فإنّه لم يقبل أن يتولّى القضاء في بعض البلاد للمأمون العبّاسي مهما حاول أن
يتظاهر بالتشيع والموالاة، لأنّ عمله هذا دهاء سياسيّ وحيلة يحتال بها لكسب ودِّ
العلويين من اهل البيت، وابن أبي عمير كان يعرف هذا، وكان ينظر إلى المأمون على
أنّه رجلٌ غاصبٌ الحقَّ من أهله، وهو ظالمٌ غشومٌ، وهو بذلك يسير على درب إمامه
الرضا، وهو المعاصر له والراوي عنه، فكيف يرضى بأمرٍ رفضه إمامه ؟ كيف يقبل أن
يتولّى القضاء للمأمون والإمام رفضه؟ فكان ابن ابي عمير نموذجاً حيّاً للموالي
الحق، فحبس وضُرب ودفع مالاً لقاء خروجه من السجن وأحرقت وأغرقت كتبه ولم يشِ
بأحدٍ من أتباع أهل البيت "فأمره السلطان بتسميتهم فأبى، قال: فضربتُ ضرباً
عظيماً، فتقوّيتُ وصبرتُ ولم أخبرهم، والحمد لله"([119])
؛ رحم الله محمّد ابن أبي عمير .
خلاصة:
قال تعالى)ن وَالْقَلَمِ
وَمَا يَسْطُرُونَ( ، إهتمّ القرآن بالعلم أيّما
اهتمام، حتى استطاع المسلمون أن يهضموا النتاج المعرفي لغيرهم من الأمم والشعوب،
ويصحّ القول أنّ الحضارة الإسلامية هي حضارة كتبٍ ومكتبات، وأمّا كتب الشيعة فقد
ضاع منها الشيء الكثير، أو عفى عليها الزمن بسبب الحروب والفتن الأحقاد المذهبيّة،
وقد نقرأ أسماء كثيرين من المصنفين في كتب التراجم إلا أنّه لم يصل إلينا من
نتاجهم شيءٌ، ونجد أنّ جماعةً أخرى "لم نطّلعْ على أسمائهم وأحوالهم
ومؤلّفاتهم"([120])
، وقبل ذلك إعترف الشيخ الطوسي في (فهرسته) بعجزه عن الإحاطة والترجمة الوافية لرجال
الشيعة، قال: "ولم أضمن أنّي أستوفي ذلك إلى آخره، فإنّ تصانيف أصحابنا
وأصولهم لا تكاد تضبط، لإنتشار أصحابنا فب البلدان وأقاصي الأرض"([121])،
وقال النجاشي يعتذر "وقد جمعت من ذلك ما استطعته، ولم أبلغ غايته، لإنعدم أكثر
الكتب، وإنما ذكرت ذلك عذراً إلى من وقع إليه كتاب لم أذكره"([122])
، وأنا أنقل كلاماً من كتاب (مرآة الكتب) يلخّص بحثي بمجمله، قال: "وأنت خبير
بأنّ كتب قدماء الأصحاب قد تفرق شملها أيادي سبا، وهب بها ريح الجنوب والصبا،
لحوادث جرت عليها، وأهوال توالت على أربابها، مع أنّ الدولة كانت في غيرهم والقوم بخلافهم،
أحاطهم التقية من كل مكان، وشملهم الخوف في كل عصر وأوان، حتى إن بقاء هذه البقية من
أغاليط الزمان وغفلات الدوران، وزدْ على ذلك ضيق اليد عن تحصيل الكتاب ونشره، وقلة
الاهتمام من أهله، فقد ضاع كتب محمد بن أبي عمير لكونه في الحبس أربع سنين، واحترق
دار شيخنا الطوسي وكتبه في بغداد لما وقعت الواقعة بين الشيعة والسنة في سنة ثمان وأربعين
وأربعمائة، ولطالما شنت الغارات على البلاد الإسلامية من الكفار، وعلى الإمامية من
مخالفيهم، واحتراق خزانة كتب الشهيد الثاني وكانت مشتملة على ألف مجلد؛ وقد استيقظ
الزمان قليلاً من نومته في عهد السلاطين الصفوية، فأيّدوا علماء عصرهم بنشر الأمان
في البلدان وإحياء دوارس العلوم، حتى اجتمع من الكتب ما اندرس، وآل إلى الرواج ما
كسد، ثم نام بعد انتباهه نومة لا يقظة بعدها أبدا، وإن نفخ في الصور، ومات العلم
موتة لا حياة بعدها وإن نشر من في القبور"([123]).
إنّ التراث الإسلاميّ المكتوب إبّان ازدهار
الحضارة الإسلاميّة صار طعماً للنّار بسبب الحروب والغزوات والفتن المذهبيّة
والأحقاد الدّفينة، وكلّها غوغائيّة متعصّبة، تبيد نتاج الفكر وعصارة العقول بشبهة
لاحت لغازٍ أو حاقد أو متعصّب، فتخير الإنسانية أعزَّ نتاجها وثروتها الفكريّة،
فهل يتّعظُ جرّاء ذلك المتّعظون !.
وأختم بلفتةٍ لها حديث آخر، ففي مكتبات
العالم كنوزٌ من التراث المعرفي المكتوب للمسلمين لا تزال بين مهجورة ومطمورة،
تنتظر مَن ينفض عنها غبار الأيّام، ولا يزال العرب في غفلة عنها مع ما يملكون من
فائض ماليّ تعجز الأقلام عن إحصاء ثروات الأشخاص بعد الحِراك العربي فكيف
بالحكومات، وهذا أمرٌ يبعث على الأسف، في الوقت الذي رأينا شغف الأمم المتمدّنة
بنشر علومها وفنونها، وتكرّر النشر مثنى وثلاث ورباع، ونشر علوم الأمّة أمارةٌ على
يقظتها ونباهة عقلها وكرامتها القومية ومشاركتها في إعلاء صرح الحضارة البشريّة،
ولكنّ العرب والمسلمين ما زالوا في غيبوبة منذ أن دخل التتار بغداد سنة 656هـ،
فمتى نستيقظُ، ونبعدُ عن أنفسنا مقولة: أمّة إقرأ متى تقرأ ؟! .
والحمد
لله ربّ العالمين
الدّكتور أكرم محمّد
نبها
بعلبك في
18/تموز/2012
قائمة المصادر
والمراجع
1.
المقدسيّ، أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل:
الروضتين في أخبار الدولتين.
2.
ابن الأثير: البداية والنهاية .
3.
إبن الأثير: الكامل في التاريخ .
4.
ابن الجوزي: المنتظم .
5.
ابن العباس، أحمد بن علي المعروف بالنجاشي: رجال النّجاشي.
6.
ابن المبرد، يوسف: بحر الدّم .
7.
ابن النديم: الفهرست، دار المعرفة، بيروت،
1978.
8.
ابن خلدون: العبر وديوان المبتدأ والخبر،
مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1971 .
9.
ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون.
10.
ابن خلّكان: وفيات الأعيان.
11.
ابن طباطبا المعروف بابن الطقطقيّ(ت709هـ):
الفخري في الآداب السلطانيّة والدول الإسلاميّة، المطبعة الرحمانية، مصر 1927م.
12.
ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال .
13.
ابن قتيبة: المعارف .
14.
ابن كثير: البداية والنهاية.
15.
ابن ماكولا: الإكمال.
16.
ابن منظور الأفريقيّ: مختار الأغاني، المكتب
الإسلامي .
17.
ابن ميسّر: تاريخ مصر .
18.
آقا بزرك الطّهرانيّ: الذريعة إلى تصانيف
الشّيعة.
19.
البخاري الجعفيّ، محمد بن إبراهيم بن
إسماعيل: التاريخ الكبير .
20.
التبريزي، علي بن موسى: مرآة الكتب .
21.
الحر العاملي، محمد بن الحسن(ت1104هـ): أمل
الآمل .
22.
الحلّي، ابن داوود: كتاب رجال ابن داوود .
23.
الخوئي، السيد أبو
القاسم: معجم رجال الحديث.
24.
الذّهبي: العبر في خبر مَنْ عبر.
25.
الذّهبيّ: سير أعلام النبلاء.
26.
السّبكي: طبقات الشافعيّة الكبرى .
27.
السيوطيّ: تاريخ الخلفاء.
28. الشيخ الأميني: الغدير.
29.
الشيخ الطوسي: الفهرست.
30.
الصدر، السيد حسن: تكملة أمل الآمل.
31.
الصفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي:
الوافي بالوفيات.
32.
الطوسي، أبي جعفر:
اختيار معرفة الرجال.
33.
القمّي، الشيخ عباس: الكُنى والألقاب.
34.
الكليني، محمد بن يعقوب بن اسحاق(ت328هـ):
الأصول من الكافي.
35.
المقدسيّ، أبو شامة: الروضتين في أخبار الدولتين.
36.
المقريزي، أحمد بن علي: المواعظ الإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف
بالخطط المقريزيّة، مكتبة مدبولي، مصر، ط1، 1997م.
37.
حسن، إبراهيم حسن: تاريخ الإسلام، مكتبة
النهضة العربية، مصر .
38.
طرازي، فيليب: خزائن الكتب العربية في
الخافقين.
39.
ديورانت، ويل: قصة الحضارة (عصر الإيمان،
الحضارة الإسلامية: الفكر والفن والتعليم).
40.
ريسلر، جاك: الحضارة العربية، مطبعة عويدات
.
41.
شلبي، أحمد: تاريخ التربية الإسلاميّة.
42.
ضاهر، سليمان: مقال بعنوان"صلة العلم
بين دمشق وجبل عامل"، مجلة مجمع اللغة العربية في دمشق، مجلد 9، 1929م.
43.
طرّازي، فيليب: خزائن الكتب.
44.
ياقوت الحموي: معجم الأدباء، مطبعة مؤسسة
المعارف .
الفهرست
المقدّمة............................................................................1
ماهية
المخطوط الإسلاميّ...................................................4
تدوين الحديث
النبويّ.....................................................11
تاريخ
المكتبة العربيّ/الإسلاميّة...........................................27
مكتبات الفاطميين في مصر..............................................37
خزانة
العلم في بغداد (خزانة سابور)..................................48
حرق مكتبة
الشيخ الطّوسي في بغداد.................................56
مكتبة
الصّاحب ابن عبّاد.................................................67
حرق مكتبة
جبل عامل...................................................72
حرق كتب
ابن لهيعة......................................................80
تلف كتب
محمد بن أبي عمير...........................................85
خلاصة........................................................................92
قائمة
المصادر والمراجع...................................................97
|
[11] ـ عبدالله بن مسعود(ت32هـ): من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، قال الكشّي في ترجمة أبي أيوب الانصاري:
"وسئل الفضل بن شاذان عن ابن مسعود وحذيفة؟
فقال: لم يكن حذيفة مثل ابن مسعود، لأنّ حذيفة كان ركنا، وابن مسعود خلّط ووالى القومَ
ومالَ معهم وقال بهم" .
أقول(يقول السيد الخوئي):
هذه الروايات التي رواها الصدوق قدس سره كلها ضعيفة، ولو صحت لم تعارض ما ذكره الفضل
بن شاذان من أن ابن مسعود والى القوم ومال معهم .
ويدل على أنه لم يتبع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ولم يشايعه بل استقل في
أمره : ما نقل من فتاواه في الفقه وما ورد من الروايات في تخطئته ، فمنها:...."وأورد
السيد مجموعة روايات تؤيّد ميل ابن مسعود إلى القوم...ثم إنه قد اعتنى علماء العامة
بشأنه، وهو مُتَسَالمٌ عليه عندهم في الفضل والتقى، قال ابن حجر في تقريبه: "عبدالله
بن مسعود أبوعبد الرحمان، من السابقين الاولين، ومن كبار العلماء من الصحابة، مناقبه
جمّة، وأمّرَهُ عُمرُ على الكوفة، مات سنة اثنتين وثلاثين أو في التي بعدها بالمدينة".
يقول السيد الخوئي: والمتلّخص ممّا ذكرناه أنّ عبدالله بن مسعود لم يثبت أنه والى
علياً (عليه السلام) وقال بالحق ، والله العالم.
أقول: إنّ الرواية في المتن تؤيّد
مذهب السّيد الخوئي، ولكن يبدو أن ابن مسعود قد عاد إلى الحقّ والصواب في أخريات
عمره، قال صاحب "إختيار معرفة الرجال" ص:179 (وقد ورد في الأخبار وصحّ أنّ
ابن مسعود قد رجع عمّا وقع منه وتندّم وتظاهر بالتندّم عليه)، ويورد على ذلك شواهد
. راجع: (الخوئي،السيد أبوالقاسم الموسوي: معجم رجال الحديث، ج11، ص345 و 346،
رقم الترجمة 7172) و (الشيخ الطوسي: إختيار معرفة الرجال، ص179)
[14] ـ الشيخ زين الدين بن علي العاملي المعروف بالشهيد
الثاني (911 - 965 ه): منية المريد في أدب المفيد والمستفيد
، ص340 .
[22]ـ ولد
أرخميدس عام 287 قبل الميلاد في جزيرة صقلية، وكان والده فلكياً شهيراً، وكمعظم الشباب آنذاك سافر إلى الإسكندرية
ثم إلى اليونان طلباً للدراسة، ويعد الكثير من مؤرخي
الرياضيات والعلوم أن أرخميدس من أعظم علماء الرياضيات في العصور القديمة وهو أبو الهندسة. وقد قتل أرخميدس عام
212 قبل الميلاد على يد الرومان . ففي عام 212 ق.م وفيما كان"أرشميدس"
عاكفاً على حل مسألة رياضية بمنزله، لا يدري شيئاً عن احتلال المدينة
من قبل الرومان، وبينما كان يرسم مسألته على الرمال، دخل عليه جندي روماني وأمره أن يتبعه لمقابلة
"مارسيلويس"، فرد عليه "أرشميدس":من فضلك، لا تفسد دوائري، وطلب منه أن يمهله حتى
ينتهي من عمله، فاستشاط
الجندي غضبا وسلّ سيفه وطعن "أرشميدس" دون تردد، فسقط
"أرشمديس" على الفور غارقاً
في دمائه، وسرعان ما لفظ أنفاسه الأخيرة.
[24] ـ يعتبر ورق البردي أول وأقدم ورق في العالم
، يصنع من نبات البردي الذي ينمو علي ضفاف نهر النيل وبنفس الطريقة
التي كان يصنعه بها قدماء المصريين، حيث كان يقطع النبات إلى شرائح ترصّ طولاً
وعرضاً ثم تضغط بمكابس خاصة .
[32] ـ ابن طباطبا المعروف
بابن الطقطقيّ(ت709هـ): الفخري في الآداب السلطانيّة والدول الإسلاميّة، ص248،
المطبعة الرحمانية، مصر 1927م.
[35] ـ وكانت مدة الدولة الفاطمية منذ دعي
للمهدي عبيد الله (298هـ) إلى حين قطعت من ديار مصر مائتي سنة وتسعاً وستين سنة وسبعة
أشهر وأياماً، أوّلها لإحدى عشرة بقيت من ربيع الآخر سنة سبع وتسعين ومائتين، وآخرها
سلخ ذي الحجة سنة ست وستين وخمسمائة(566هـ). منها بالمغرب إلى حين قدوم القائد جوهر
إلى مصر أحد وستون سنة وشهران وأيام؛ ومنها بالقاهرة ومصر مائتا سنة وثماني سنين.
[37] ـ المقريزي، أحمد بن علي: المواعظ الإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف
بالخطط المقريزيّة، ج2، 163 .
[38] ـ إستولى صلاح الدين الأيوبيّ على مصر بعد وفاة الخليفة الفاطميّ
العاضد سنة 567 هـ ، واستمرّت الدولة الأيوبيّة من سنة 567هـ إلى سنة 648هـ .
[42] ـ الآمر بأحكام الله منصور حكم ما بين (495هـ ـ 524هـ)، توفي من غير
عقب . (تاريخ الخلفاء، السيوطي، ص397.)
[47] ـ وزير صلاح الدين وكاتبه، القاضي الفاضل عبد الرحيم (501هـ 596هـ) ، قال ابن خلكان "تمكن منه غاية
التمكن (يعني من صلاح الدين) وبرز في صناعة الإنشاء وفاق المتقدمين، وله فيه الغرائب
مع الإكثار، أخبرني أحد الفضلاء الثقات المطلعين على حقيقة أمره أنّ مسوَّداتِ رسائلِهِ
في المجلّدات والتعليقات في الأوراقِ إذا جُمعتْ ما تقصّر عن مائة مجلد، وهو مجيد في
أكثرها، وكان السلطان صلاح الدين يقول: لا تظنّوا أنّي ملكت البلاد بسيوفكم، بل بقلم
الفاضل. (وفيات الأعيان: ابن خلكان، ج3،
ص158)
[48] ـ راجع: ـ المقدسيّ، أبو شامة عبد الرحمن بن
إسماعيل: الروضتين في أخبار الدولتين، ج1، ص268 . (أحداث سنة 567هـ)
ـ الصفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك: الوافي بالوفيات ، عند ترجمته
لـ(العاضد صاحب مصر) .
[55] ـ ابن طباطبا المعروف
بابن الطقطقيّ(ت709هـ): الفخري في الآداب السلطانيّة والدول الإسلاميّة، ص206.
ـ آقا بزرك الطهرانيّ: الذريعة إلى
تصانيف الشيعة، ج3، ص130.
[66] ـ كانت الكرخ يسكنها الشيعة، وأهل "باب البصرة" يسكنها
السّنة، قال ابن الجوزي صاحب (المنتظم): " وفي يوم الثاني
عشر من ذي الحجة (سنة381هـ)، وهو يوم الغدير، جرت فتنة بين أهل الكرخ وباب البصرة،
واستظهر أهل باب البصرة وخرقوا أعلام السلطان، فقتل يومئذ جماعة اتهموا بفعل ذلك، وصلبوا
على القنطرة فقامت الهيبة وارتدعوا".
ـ المنتظم: ابن الجوزي، أحداث سنة
448هـ .
ـ المنتظم: ابن الجوزي، أحداث سنة
441هـ .
ـ ابن الجوزي: المنتظم، أحداث سنة 385هـ .
ـ ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، ج4، ص466، (وفاة الصاحب بن عبّاد) .
[89] ـ ياقوت الحموي: معجم
الأدباء، في ترجمته لـ(إسماعيل بن عبّاد، بن العباس)، المجلد الثاني، مطبعة مؤسسة
المعارف .
[93] ـ هذا النص مقتبسٌ مما
كتبه المجتهد الأكبر السيد محسن الأمين العاملي من سيرة حياته بقلمه في الجزء
الأخير من موسوعته (أعيان الشيعة) ، فليراجع .
[94] ـ ضاهر، سليمان: مقال
بعنوان"صلة العلم بين دمشق وجبل عامل"، مجلة مجمع اللغة العربية في
دمشق، مجلد 9، 1929م.
ـ ابن ماكولا: الإكمال، ج7، ص46 .
ـ القمّي، الشيخ عباس: الكُنى
والألقاب، ج1، ص397
ـ البخاري الجعفيّ، محمد بن إبراهيم
بن إسماعيل: التاريخ الكبير، ج5 ، 183 .
ـ الخوئي، السيد أبو القاسم: معجم
رجال الحديث، ج1 ، ص22 .
[112] ـ ابن العباس، أحمد بن علي المعروف بالنجاشي(372ـ450هـ): رجال النّجاشي، ص326،
(عند ترجمته لمحمد بن أبي عمير، رقم الترجمة887)
ـ الخوئي، السيد أبو القاسم: معجم
رجال الحديث، ج15، ص295 .
[115] ـ ابن طباطبا المعروف
بابن الطقطقيّ(ت709هـ): الفخري في الآداب السلطانيّة والدول الإسلاميّة، ص145.
Comments
Post a Comment