دغدغاتٌ نحويّةٌ
دغدغاتٌ نحويّةٌ
من كتاب كشكول
الشّيخ بهاء الدّين محمّد العامليّ
(ت1030هـ)
الدّكتور أكرم محمّد نبها
ورقة بحثيّة أُعدّت
للمؤتمر الدّوليّ الرّبع ـ فكر الشيخ البهائيّ
المنعقد في بيروت 9 و10 أيّار 2012
تنظيم جمعيّة الإمام الصّادق(ع) لإحياء التّراث العلمائيّ
بسم الله الرّحمن الرحيم
الشيخ بهاء الدّين محمّد العاملي (953هـ ـ 1030هـ) ابن الشّيخ حسين بن عبد الصّمد الجبعيّ العامليّ (ت984هـ)، والشيخ حسين من مشايخ جبل عامل العظام " كان فاضلاً، عالماً، أصوليّاً، مُتكلّماً، فقيهاً، مُحدّثاً، شاعراً، ماهراً في صنعة اللّغز"([1])، درّسَ إلى جانب أستاذه الشهيد الثاني([2]) في المدرسة النّوريّة في بعلبك سنة 953هـ، وكانا قد حصلا على أمر التّدريس من اسطنبول في السّنة نفسها؛ هاجر إلى إيران الصّفويّة هرباً من الظّلم العثمانيّ.
وُلِدَ الشيخ البهائيّ في بعلبك يوم الأربعاء 17 ذي الحجّة سنة 953هـ، وهاجرَ مع أبيه إلى إيران سنة 959 (أو960) للهجرة، فَنَبَغَ وأَبْدَعَ وسَحَرَ الألبابَ، ولا غرو أن يكون هذا الشيخُ نابغةَ عصره، وهو الذي نشأ في بيتٍ علميٍّ أدبيٍّ مميّز..
أخذَ الأبُ بيد الإبنِ وأوصلهُ إلى ذرى المجد في العلم والمكانة والسّؤدد، وهو الذي تعهّده بالعلم والمعرفة والأدب والدّين، وقدّرَ اللهُ للبهائيّ علماء صقلوا مواهبَهُ، وتعهدوا ذكاءَهُ بالرّعاية والإهتمام، وكان لاقترانه بابنة شيخ الاسلام الشيخ علي المنشار زين الدّين العاملي([3]) قيمةٌ إضافيّةٌ، فكانت الزّوجة عالمةً فاضلةً أديبةً فقيهةً، وهي وحيدة أبيها، ورثت عنه مكتبة ضخمة عدد كتبها تجاوز الأربعة آلاف في شتى العلوم، ولنا أن نتخيّلَ العناوين الكثيرة التي اطّلعَ عليها الشيخ البهائيّ، بالإضافة إلى اطّلاعه على المكتبات العامّة والخاصّة في إيران بحكم منصبه الرسميّ الرفيع.
تكوّنت ثقافة الشيخ ووُسِمَتْ روحُهُ بالعلوم العقليّة والنقليّة ومبادئ السّير والسّلوك والأخلاق الحميدة، وكان من نتاج ذلك تلك الغزارة والتّنوّع في عناوين مؤلّفات البهائيّ، فقد ألّفَ في الفقه والحساب والأدب والفلك والأصول والعقائد والهندسة والكلام والألغاز..
إصطحبَ الشّيخّ حسين بن عبد الصّمد ولدَهُ البهائيّ إلى هراةَ سنة 975هـ، وفيها ألّفَ البهائيّ كتاب (الفوائد الصّمديّة في النحو) لأخيه عبد الصّمد، وسمّاهُ باسمه، وأتمّ تأليفه في شوال سنة 975هـ، وكان عبد الصّمد دون العاشرة من عمره "فتولّى البهائيّ تدريسه المبادئ، وهو الذي باشر التدريس في هراة سنة 983هـ، وكان في حوالي الثلاثين من عمره"([4])
وللشيخ البهائي مؤلّفات وألغازٌ نحويّة منها: (الفوائد الصّمديّة)([5])، (لغز الكافية في النحو)([6])، و (لغز الفوائد الصّمديّة)([7])، وهذان اللّغزان الأخيران مذكوران في (الكشكول) في الجزء الأول صفحة 267، وفي الجزء الثالث صفحة 408 .
وكنتُ أتمنّى أن أضعَ يدي على مُؤلَّف البهائيّ (الفوائد الصّمديّة في النحو) علّني أقع على شيءٍ من فوائده وفرائده في علم النّحو، بيدَ أنّ الدّكتورة دلال عبّاس وصفت هذا المُصنّف([8]) بقولها: "بسطَ الشيخ البهائيّ بها مطالب النحو ومباحثه المعقّدة، وهو وضعَ هذا المؤلّف حينَ أشفقَ على أخيه الصغير وعلى أترابه وتلامذته من كتب النحو المعقّدة، فأخرج كتاباً في النحو الميسّر، وقسّمَ الشيخُ كتابه إلى أبواب سمّاها حدائق، وقسّمَ الحدائق إلى فصول، وفي كلّ فصلٍ مطالب، وفي كلّ مطلب تنبيه وتوضيح إذا اقتضى الأمر، وهذه القدرة على التبويب والتبسيط لا يدركها إلا مَنْ كان معلّماً، وكان التعليم بالنّسبة إليه حياةً واستمراراً، وفعل تغيير مستقبليّ.. ونحن نرى أنّ هذا الكتاب إذا أعيدَ طبعه بحلّة جديدة فهو يصلحُ لأنّ يدرّس في مُختلف المراحل، لأنّه خلاصة علم النحو وقواعده الأساسيّة"([9]).
إنّ بحثي ينحصرُ بلُمعٍ نحويّة لغويّة أوردها الشيخ البهائيّ في مؤلّفه الموسوعيّ (الكشكول)، وأسميتُها (دغدغات نحويّة)، واللّفظة استعملها الشّيخ البهائيّ أثناء تعليقه على مسألة نحويّة، قال:"ولكاتب الأحرف هنا دغدغة.."([10])، وهذه الدّغدغات عبارة عن مباحث نحويّة ولغويّة أومأ إليها الشيخ في كشكوله إيماءات سريعة، فكان يُصحّحُ خطأً لغويّاً وردَ في معجم لغويّ، فيستبعدُ رأي صاحبه، من دون أن يعلّل أو يوضّح ذلك، وإنما يكتفي بقوله: "وهو بعيدٌ جدّاً. فليتدبر بذلك"، أو كان يردُّ رأياً نحوياً فيقول "وليس الأمرُ كذلك"، ثمّ يوردُ التصحيح مستشهداً بآيات من القرآن الكريم، وكانت له ترجيحاتٌ وتصويباتٌ تتعلّق بالغرض من التمييز الرافع للإبهام، فيقول "وربّما لا يرفع الإبهام، فقد يكون للتوكيد"، وقد ذبَّ الشيخ عن رأي نحويّ للزمخشريّ ودغدغ النّحاة دغدغات خفيفة بإشكالياته، فكان يقوم بتخريجات نحوية منطقية فلسفيّة قال عنها هو نفسه أنّها (مُتكلّفة)، وكأنّه كان يأبى إلا أن يُعمِلَ ثقافتَهُ الحوزويّةَ القائمةَ على الفنقلةِ (إن قلتَ قلتُ)، وقد تبتعدُ تخريجاتُهُ أحياناً عن منطق النّحو واللّغة لتميلَ إلى الدّرس الأصوليّ، المنطقيّ، الفقهيّ والفلسفيّ، ولا غرو في ذلك لأنّه شيخ الإسلام المشبع بالثقافة الدّينيّة الحوزويّة، فمن الطبيعيّ أن يستخدم الأقيسة المنطقيّة في الدّرس النّحوي واللّغويّ، وربّما أعملّ قلمَهُ فألغز وأبهمَ المسائل النحويّة، ولَكَأَنَّ قلمَهُ المعتاد على الألغاز، التي برعَ بها، أبى إلا أن ينغمسَ في الدّرس النّحويّ، فكان الشرحُ والتوضيحُ منّي على قدر الفهم والادراك لألغاز الشيخ .
إنّ تناولي مواد البحث سوف تتدرّج، فأتناول الأمورَ النّحويّة واللّغويّة التي استبعدَ فيها الشّيخ رأي بعض النحاة أو خالفهم وصوّب تعريفاتهم، ثمّ أنتقلُ إلى دغدغات الشّيخ للنّحاة، وفيها ذبٌّ عن أراء نحويّة قال عنها الشّيخ نفسه أنها متكلّفة، وختمتُ البحث بأمورٍ بلاغية أو نحويّة راقت للشيخ فعبرّ عن إعجابه بها.
إستبعاد
أورد الشيخ البهائي في كشكوله كلاماً يستبعدُ فيه رأياً للفيروزآبادي صاحب القاموس المحيط في اللّغة، قال فيه: "الإِنْس: البشر ،كالإِنسان، الواحدُ إِنْسِيّ، ج. أُناسِيّ. وقال في فصل النون: النّاسُ يكونُ من الإنْس ومن الجنّ، جمعُ إِنْس، أصلُهُ أُناس، جمعٌ عزيزٌ أُدخل عليه (أل)"([11]).
ويعقّبُ الشيخ البهائيّ على كلام الفيروزآبادي بقوله: " إنّ كلامَ القاموس صريحٌ في جواز إطلاق الإنس على الجنّ، وهو بعيدٌ جدّاً. فليتدبر بذلك"([12]) .
النّاسُ والبشر والإنس نظائرُ، وهي الجماعة المتميّزة بالصّورة الإنسانيّة. و(النّاس) أصلُهُ (أُناس) مشتقٌّ من الأُنْس ضدّ الوحشة" فالأنسانُ يأنسُ بجنسِهِ لأنّه مدنيٌّ بالطّبع"([13]).
قال سيبويه والفراء: "النّاس أصلُهُ (الأُناس)، فإذا دخلت الألف واللام قلتَ (النّاس)، إلا أنّ (النّاس) قد يفارقهم الألف واللام ويكون نكرةً (ناس)"([14]).
إنّ أصلَ مادّة (النّاس) قد يكون (أَنَسَ) أو (نَوَسَ)، قال الخليل بن أحمد الفراهيدي: "ناس ينوسُ نوساً. وأصل النّاس: أُناس، إلاّ أنّ الألف حذفت من (الأناس) فصارت: ناساً"([15]).
وذهبَ الكسائيُّ إلى أنّ مادّة (النّاس) من (نَوَسَ) أو من (أَنَسَ) "وهما لغتان، إحداهما أولى من الأخرى، يدلّ على ذلك أنّ العربَ تُصغّرُ ناساً نويساً، ولو كان ذلك الأصل [أي أَنَسَ] لقالوا (في تصغيره): أُنيِّس"([16])، " وليس من العرب أحدٌ إلا يقول (نُويس)"([17]).
قال البصريّون بمقالة سيبويه ، ومنهم صاحب القاموس، فـ"(النّاس) عندهم أصلُهُ (أُناس)، جمعٌ عزيزٌ أُدخل عليه (أل)"، فـ(النّاس) بُنيتُها مؤلّفة من (أل + أُناس) "والألف في (أُناس) أصليّةٌ، ثمّ زِيدت عليه (أل) صار الإسمُ (الأُناس)، ثمّ كثرت في الكلام، فكانت الهمزة واسطةً، فاستثقلوها فتركوها، وصار باقي الإسم (أَلُناس) ـ بتحريك اللام بالضّمة ـ فلمّا تحرّكت اللام والنون أدغموا اللام في النون، فقالوا: النّاس ، فلمّا طرحوا الألف واللام ابتدأوا الإسم، فقالوا: قال ناسٌ من النّاس، وهذا تعليل النحويين"([18])، وجزم سلمة بن عاصم "أنّ كلاً من (ناس) و (أُناس) مادّة مستقلة"([19]).
وقالوا: "النّاس قد يكون من الإِنْس ومن الجنّ، وأصلُهُ (أُناس)، فخُفّف"([20])، وكلامهم هذا يؤكّد أنّ (النّاس) "مشتقٌّ من (النّوس)، وهو التّحرّك، وهو على هذا شاملٌ للملائكة أيضاً، وممّن صرّح من أهل اللغة بأنّ (النّاس) يكون من الإِنْس ومن الجنّ الإمامُ أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابيّ في كتابه (ديوان الأدب)"([21])، " و(الإِنْس)، البشر، الواحدُ إِنْسِيّ و أَنْسِيّ أيضاً"([22])، وهذا يعني أنّنا نستطيعُ أن نقول: إِنْسٌ كثيرٌ كما تقول: بشرٌ كثير، وتقول: إِنْسِيٌّ واحدٌ كما تقول: بشريّ واحدٌ. وفي الحديث أنّه نهى عن الحُمُر الإنْسيّة يومَ خيبر([23])، التي تألف البيوت، والمشهور فيها كسر الهمزة، منسوبة إلى (الإنْس)، وهم بنو آدم، والواحدُ إنْسيّ"([24]) .
مما سبق نستنتجُ أنّ (الإنْس) وجمعه (أُناس) أو (النّاس) تُطلقُ على جماعة النّاس من البشر من وِلْدِ آدم(ع) على وجه الحقيقة، فهل يصحّ أن يطلق مثل ذلك على الجنّ على ما ذهب إليه صاحب القاموس واستبعده الشيخ البهائيّ؟
حكى ابن خالويه، قال: "قالت العرب: ناسٌ من الجنّ، وهو مجازٌ، إذ أصلُهُ في بني آدم"([25])، إنّ إطلاقَ (الإنْس) على الجنّ ضربٌ من المجاز، وهو استعمال لا وضوحَ فيه، لأنّ مـا يقابل الجنّ ـ بحسب الإستعمال ـ هو الإنْس، والإستعمال أعمّ، ومن المتبادر الى الذّهن أن (الإنْس) منصرفٌ عن الجنّ، وهذا هو المطّرد، وما اوردتْهُ بعض المعاجم والكتب الأدبيّة من إطلاق (الإنْس) على الجنّ على وجه الحقيقة غير ثابتٍ، ولا دليل عليه، وهو في البشر وأبناء آدم واضح الدِلالة، قولهم: ناسٌ من الجنّ أُريدَ به: قومٌ من الجنّ، أو طائفة من الجنّ، تشبيهاً لهم بالإنْس، وحملُ الشيء على الشيء إذا اتفقا من وجهٍ جائزٌ، ومثله ما رواه الفراء، قال: " قال بعضُ العرب، وهو يحدّث: جاء قومٌ من الجنّ فوقفوا، فقيل: مَنْ أنتم؟ فقالوا: أُناسٌ من الجنّ. وقال جلّ وعزّ )قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا((سورة الجنّ: الآية1) فجعل النّفر من الجنّ كما جعلهم من النّاس، فقال جلّ وعزّ )وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا((سورة الجنّ: الآية6) فسمّى الرّجال من الجن والإنْس"([26])، "وذلك أنّ المعهودَ في الكلام إذا قيل للناس: مَن أنتم؟ قالوا: ناسٌ من بني فلان، فلمّا كثرَ ذلك استعملوه في الجنّ على المعهود من كلامهم مع الإنْس، والشيءُ يُحملُ على الشيءِ من وجهٍ يجتمعان فيه وإنْ تباينا من وجهٍ آخر"([27])، وعليه يكون قولنا: ناسٌ من الجنّ مجازاً، والحقيقة: ناسٌ من بني فلان من البشر من وِلْدِ آدم .
ثمّ إنّ (الإنْسَ) وضعَ مقابل (الجنّ)، فكما أنّ الأوّلَ يختصّ بالظّهور والمشاهدة العينيّة، فإنّ الآخر يختصّ بالخفاء وعدم الرؤية، قال الأزهريُّ: "وأصلُ الإنْس والأَنَسِ والإنسان من الإيناس، وهو الإبصار، يقال: أَنَسْتهُ وأنِسْته: أي أبصرته، وقيل للإنْس إنْسٌ لأنّهم يُؤنسون: أي يُبصرون، كما قيل للجنَ جِنّ لأنّهم لا يؤنسون أي لا يرون..قال نفطويه: سُمّيَ الإنْسيّون إنْسييّن لأنّهم يُؤنسون، أي: يُرون، وسُمّيَ الجنّ جِنّاً لأنّهم مجتنّون عن رؤية النّاس، أي: متوارون"([28]) .
أقول ما قاله الشيخ البهائيّ وآخرون أنّ اللغة العربيّة أوجدت لفظيين لقومين مختلفين، أحدهما (الإنْس) وهم جماعة النّاس من قوم البشر من أبناء آدم، وهم يرون بالأبصار، وثانيهما (الجنّ) وهم قومٌ آخرون متوارون عن الرؤية، لهم عالمهم الخاص المنفصل عن عالم الإنْس، ومَن يُطلق (الناس) و (الإنْس) ويريد منها (الإنْس والجنّ) على حدٍّ سواء على وجه الحقيقة فإنّ رأيه مُجافٍ للحقيقة والواقع ومُستبعد، على ما قاله الشيخ البهائيّ.
تخطئة:
قال الشّيخ البهائيّ: "زعمَ قومٌ أنّ وضع (نعمَ) و (بئس) للإقتصاد في المدح والذّم، وليس كذلك، بل وضعها للمبالغة في ذلك"([29]).
إنّ الفعلين الماضيين الجامدين (نعم و بئس) هما لإنشاء المدح والذّم، قال الرازيّ: "(نِعْمَ) منقولٌ من قولك: نَعِمَ فلانٌ إذا أصابَ نعمةً، و(بِئْسَ) منقولٌ من بَئِسَ فلانٌ إذا أصاب بؤساً، فنُقلا إلى المدح والذّم، فشابها الحروف فلم يتصرّفا"([30])، واستشهاد الشّيخِ البهائيّ على (نعم وبئس) بآيتين قرآنيتين تدعّمان رأيه، الأولى قوله تعالى )وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ( سورة الحج: الآية78، والثانية قوله تعالى )وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ(سورة الرعد: الآية18.
في الآية الأولى يُثني الله على نفسه، فهو يمجّد ذاته ويُعظّمُ صفاته، وفي الثانية يصف سبحانه النار التي توعّد بها الكفّار.
إنّ إعراب جملة المدح أو الذّم نمثّل له بإعراب قوله تعالى )هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ(، فقوله تعالى )هُوَ مَوْلَاكُمْ( جملة خبريّة تامّة، و)فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ( جملة مستقلّة سيقت للمدح؛ ويمكن أن تكون (مولاكم) بدلاً من (الله)، والجملة المدحيّة خبرٌ، والمخصوص بالمدح مضمرٌ، أي: (نعمَ المولى اللهُ ونعمَ النصيرُ اللهُ)، وكلّ ما كان مِنْ حماية هذا المولى ومَنْ كان في حفظه كان آمناً من الآفات مصوناً من المخلوقات.
إنّ مَن زعمَ أنّ (نعم) و (بئس) للإقتصاد في المدح والذم جعلَ (أل) التعريف في فاعل (نعم وبئس) للإستغراق، لا على سبيل الحقيقة بل على سبيل المجاز، )فَنِعْمَ الْمَوْلَى( (أل) التعريف في (المولى) هي إستغراقيّة على سبيل المجاز، والمخصوص بالمدح (الله) المحذوف المعلوم([31])هو جميع الجنس، لجمعه ما تفرّق في غيره من الكمالات، وجعلتَ (الله) وجميع الجنس مبالغةً لاستغراقه جميع كمالات جنس المولويّة، ولم تَقصدْ من ذلك إلا مدحه.
وأمّا الذين يجعلون (أل) التعريف في فاعل (نعم و بئس) للجنس على سبيل الإستغراق فإنّ (أل) عندهم في (المولى) تفيد الإحاطة والشّمول حقيقةً لا مجازاً، ويكون الجنس عندهم كلّه ممدوحاً، وهنا (المولويّة)، والمخصوص بالمدح (الله) المحذوف (نعمَ المولى اللهُ) مندرجٌ تحت جنس المولويّة، فيشمله المدح، ويكون المدحُ قد وقعَ أوّلاً على الجنس كلّه على سبيل الشّمول حقيقةً (المولى)، ثمّ على سبيل المخصوص بالمدح (الله)، فيكون المخصوص قد مُدحَ مرّتين: مرّة مع غيره لدخوله في عموم الجنس، لأنّه فردٌ من أفراد ذلك الجنس، ومرّةً على سبيل التخصيص، لأنّه قد خُصّ بالذكر، ولذلك يُسمّى بالمخصوص.
إنّ الغرض من جعل (أل) للإستغراق والشّمول على سبيل الحقيقة هو المبالغة في إثبات المدح للممدوح والذم للمذموم، بجعلك المدح والذّم للجنس، الذي يكون المخصوص فرداً منه، والجنس يذكر تنبيهاً على أنّ المخصوص بالمدح أفضلُ جنسه، وأنّ كلّ فضيلة تفرّقت في جميع الجنس هي مجتمعةٌ في المخصوص بالمدح أو الذم، ويكون مبيّناً المرام من الإجمال في مدح الجنس أو ذمه على سبيل المبالغة.
وما قلناه في (نِعْمَ) نقوله في (بِئْسَ) في مثل قوله تعالى )وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ( فالمخصوص بالذّم محذوفٌ، تقديره (وبئس المصيرُ جهنّمُ) فالجنس كلّه مذمومٌ وهنا (بؤس المصير)، والمخصوص بالذّم (جهنّم) مندرجٌ تحت جنس (المصير البائس)، وتكون (جهنّم) قد ذُمّت مرّتين: أولاهما لدخولها مع غيرها في عموم الجنس، وثانيهما على سبيل التخصيص، لأنّه خُصَّ بالذكر.
إنّ الشّيخ البهائيّ خطّأَ مَنْ يرى أنّ الجملتين الإنشائيّتين غير الطّلبيّتين المركّبتين من فعلي المدح والذّم قد وضعتا للإقتصاد في المدح والذّم، وصحّحَ أن تكونا قد وضعتا للمبالغة على سبيل إستغراق المدح والذّم، فنمدحُ أو نذمُّ الجنسَ كلَّهُ من أجل المخصوص بالمدح أو الذّم، ثمّ نخصّص المخصوص بالمدح أو الذّم بالذّكر، فتكون الإحاطةُ بهما وشموليتهما حقيقةً لا مجازاً، وهذا معنى المبالغة في المدح أو الذّم الذي قصده الشيخ البهائيّ.
تصويبٌ منطقيّ
صوّبَ الشيخُ البهائيُّ تعريف النحاة للتمييز، فالتمييز عندهم "المراد به رفع الإبهام وإزالة اللّبس، والمخاطِب ينبّه على المراد بالنّص على أحد محتملاته تبييناً للغرض، ولذلك سُمّيَ تمييزاً وتفسيراً"([32])، وتصويب البهائيّ ينطلق من أنّ "التمييز ربّما لا يرفع الإبهام، ومنه التمييز الذي قالوا عنه إنّه للتأكيد، كما في قوله تعالى )إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا("([33])، ومقتضى البحث يحتّمُ أن نقدّمَ مقدّمتين، الأولى تتعلّق بالتمييز والثانية تتعلّق بالتاكيد.
التمييز إسمٌ نكرةٌ يُذكرُ تفسيراً للمبهم من نسبةٍ أو ذات، فالأول نحو (طابَ زيدٌ نفساً) حيث أسندنا الطّيبةَ إلى زيد، والمراد تبيان شيءٍ من أشيائه، وهي كثيرة، فجاء التمييز(نفساً) لإبانة نسبة الطّيبة إلى زيد، فهو طابَ نفساً لا قلباً ولا لساناً ولا غيرهما..وأمّا تمييز الذات كقولنا: عندي رطلٌ زيتاً، فإنّ التمييز (زيتاً) لم يأتِ لرفع إبهام في الجملة وإنّما لرفع إبهام (الرطل)، إذ هو مقدارٌ يُوزن به، ويحتملُ أشياء كثيرة من الموزونات كالزّيت والعسل والسّمن وو..والأسماء المبهمة الدّالة على الذّات، والتي يأتي التمييز ليزيل إبهامها هي: العدد، المساحة، الكيل، الوزن، وكلّها تحتاجُ إلى إبانتها بالأنواع، لأنّها تقع على أشياء كثيرة، فإذا قلتَ: (عندي عشرون) إحتمل دنانير ودراهم وعبيداً وغيرها من المعدودات، فوجبَ لذلك إبانتها بالنّوع.
وأمّا التوكيد فهو ضربان: لفظيّ ومعنويّ.
فاللّفظيّ يكون بتكرار اللّفظ، كقولك: ضربت زيداً زيداً، أو بتكرير الجملة فتتأكّدُ الجملة بأسرها، كقولك: ضربتُ زيداً ضربتُ زيداً.
وأمّا التوكيد المعنويّ فيكون بألفاظ محدّدة، كـ(نفسه، وعينه، وأجمع، وأجمعون، وكلّهم..)، وبها نكرّرُ المعنى دون لفظه، كقولك: رأيتُ زيداً نفسَهُ.
وفائدة التوكيد تكمنُ في تمكين المعنى في نفس المخاطب، وإزالة الغلط في التاويل "فيجعل الأمرَ مستقراً متحقّقاً، بحيث لا يُظنّ به غيره، فيدفع المتكلّم ضرر غفلة السّامع، أو الظنّ به الغلط".
وصوّبَ الشّيخُ البهائيّ تعريفَ النحاة بقوله "إنّ التمييز لا يكون الغرض منه دائماً رفع الإبهام وإنّما قد يأتي مؤكِّداً"، خلافاً لكثير من العلماء، واستشهدَ على ذلك بقوله تعالى )إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا(، فـ(شهراً) تمييزٌ منصوبٌ، بيدَ أنّه لا يرفعُ إبهاماً ولا يزيل لبساً عن العدد (اثنا عشر)، وإنّما وظيفة التمييز هنا التأكيد على (عدّة الشّهور)، فلو قلنا (إنّ عدّةَ الشّهورِ عندَ اللهِ اثنا عشرَ) لما أبهم المعنى ولا التبس، لأنّ الذّات معروفة، وعليه تكون وظيفة التمييز التأكيد، ومثلُ ذلك قولك: عددُ صفحاتِ الكتابِ اثنا عشرَ، فإنّ الذّات العدد (اثنا عشر) غير مبهمٍ ولا لبس فيه، والمراد مفهوم أي (اثنا عشر صفحةً) لأنّ المضاف إليه (صفحات) أبان المقصود من العدد، وإذا ثبّتنا التمييز بعد العدد في مثل ذلك يكون الغرض التوكيد لا إزالة الإبهام واللّبس عن العدد، ولو قلنا: (في القرية اثنا عشرَ) لكان الكلام غامضاً مبهماً لإبهام العدد، فهو يحتملُ أشياءَ كثيرةً من المعدودات كـ(بيتاً أو رجلاً أو عيناً..) ويكون التمييز في مثل هذا لازماً وواجباً لإزالة الإبهام عن العدد، لأنّه يقع على أشياءَ كثيرة.
إنّ تصويبَ الشّيخ البهائيّ له وجهٌ وجيهٌ، والتعديل الذي أدخله على التعريف يُلتفتُ إليه، قال "التمييز ما يصلحُ لرفع الإبهام" فما كان صالحاً لرفعِ إبهامِ المميَّزِ هو تمييزٌ وتفسيرٌ وتبيينٌ، فالتمييز عند البهائيّ يجب أن يكون صالحاً لإزالة الإبهام أو اللّبس، فيكون ضروريّاً في الجملة، ومن دونه لا يستقيم المعنى ولا يكتمل، ويكتنفه الإبهام.
وقد أعملَ الشيخُ البهائيُّ حسّه الأصوليّ في النحو، قال "التمييز هو الشيءُ الذي يلزم من العلم به العلم بشيءٍ آخر، على الدليل الثاني"([34])، فالتمييز هو الإسم الذي يصلحُ أن يكون كاشفاً عن العلم بالمميَّز، ومن دونه يبقى الكلام غامضاً ملتبساً، كما قدّمنا، فالتمييز الذي يرفع الإبهام هو ذاك الإسمُ الذي لا يتّضحُ العلم بالمميَّز إن لم يتّضح العلم بالمميِّز، فالأول هو الدّال والثاني هو المدلول، على ما ذكر الأصوليّون، ومثل ذلك أن بدل البعض من الكلّ قد يجري مجرى التأكيد، وذلك كقولك: ضُربَ زيدٌ ظهرُهُ وبطنُهُ أو يدُهُ ورجلُهُ، فقد نعرب (ظهرُهُ وبطنُهُ أو يدُهُ ورجلُهُ) بدلَ بعضٍ من كلّ، ثمّ يُستفاد من المعطوف والمعطوف عليه معاً معنى (كلّه)، فيجوز أن يكون ارتفاعهما على البدل وعلى التوكيد.
ومثل هذا التوكيد يفيدُهُ الجار والمجرور كقولك: في الدار زيدٌ قائمٌ فيها فتعيدُ (فيها) توكيداً، قال ابن السّرّاج: " الحرف إنّما يكرّر مع ما اتصل به لا سيّما إذا كان عاملاً، كقوله تعالى )وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا(سورة هود: الآية 108 فجعل (فيها) توكيداً و (ففي الجنّة) مؤكَّداً"([35]).
إشكالٌ وتخريجٌ متكلّفٌ
ويتعرّضُ الشيخُ البهائيًّ في كشكوله إلى مسألة الفرق بين عطف البيان والبدل، يقول: "الفرقُ الذي أبدوه بين البدل وعطف البيان، ردّاً على مَنْ لم يفرّق بينهما كالشّيخ الرّضي، يُشكلُ بنحو قولك (جاء الضّاربُ الرجل زيد)، مما يمتنعُ جعلهُ بدلاً، كما نصّوا عليه، وذلك إذا قصدتَ الإسنادَ إلى (زيد) واتيتَ بـ(الضّارب) توطيةً، وقد يُتكلّفُ بإنّه إذا قصد مثل ذلك القصدِ لم يَجُزِ([36]) التلفّظُ بمثل هذا اللفظ"([37])، ونحن نقدّم لذلك بمقدّمة تتناول البدل وعطف البيان.
البدلُ هو التابع المقصود بالحكم بلا واسطة بينهُ وبين متبوعه، فلو قلنا: وضعَ الإمامُ علمَ النحو، فإنّ العبارة يشوبها بعض النقص والوضوح المعنويين، إذ تشرئبُ النّفوسُ لمعرفة هذا (الإمام) الذي وضعَ علمَ النحو، ولو قلنا: وضعَ الإمامُ عليٌّ علمَ النحو يكون ذلك النّقصُ المعنويُّ قد زال، لأنّ (عليّ) المقصود بالحكم ينسب وضعُ النحو إليه، ولمّا جاء البدل (عليّ) قوّى المتبوع(الإمام) وعيّن المراد منه ووضّحه "وأزالَ التّوهّم ورفع اللّبس عنه"([38])، ويكون المتبوع(المبدل منه) قد ذُكرَ توطئة للبدل ليُستفاد من مجموعهما فضلَ توكيد وبيان، لا يكونُ إذا ذُكرَ أحدهما دون الآخر. والذي عليه الإعتماد من الإسمين ـ البدل والمبدل منه ـ هو الثاني، ويذكر الأول توطئةً لبيان الثاني.
وأمّا عطفُ البيان فهو تابعٌ جامدٌ يخالفُ متبوعه في لفظه ويوافقه في معناه المراد منه الذّات، وغرضه توضيح الذّات إذا كان المتبوع معرفةً، كقولك: سار الحسينُ بنُ عليّ نحو الكوفة، وتخصيصها إذا كان نكرةً، كقولك: أصغيتُ إلى ما قلتَ فإذا كلمةٌ خطبةٌ استهوتِ الأفئدة. فـ(الحسين) في المثال الأول مشتركٌ بين أفرادٍ متعدّدة، وهو يحتاجُ إلى مزيد إيضاح وتبيين يزيل عن الذّاتِ شائبةَ الإبهام، والمقصود من (الحسين) و (ابن عليّ) ذات واحدة، ولكنّ الثانيةَ أوضحت الأولى مع أنّها تخالفها لفظاً لا معنى وذاتاً.. وشبيهُ ذلك في المثال الثاني، فإنّ الكلمة (خطبةٌ) خصّصت النّكرة التي قبلها بعض التخصيص، وحدّدت شيوعها وإبهامها بعض التّحديد، والمراد منهما ذاتٌ واحدة.
وممّا تقدّم نستنتجُ أنّ البدل وعطف البيان يفصل بينهما خيطٌ رفيع لم يرَهُ الرّضى الأسترأبادي، ولم يفرّقْ بينهما، قال: "وأنا إلى الآن لم يظهرْ لي فرقٌ جليٌّ بين بدل الكلّ من الكلّ وبينَ عطف البيان، بل لا أرى عطفَ البيان إلا البدل"([39])، وأمّا الذين فرّقوا بينهما من النّحاة فإنّهم قالوا أنّ "البدل يعملُ فيه العامل على تقدير تنحية الأول(المبدل منه)"([40])، فلو قلت: وضعَ الإمام عليٌّ علمَ النحو وحذفتَ (الإمام) وأحللتَ محلّه (عليّ) لجازَ التركيب، فنقول: وضعَ عليٌّ علمَ النحو، ولكنّه تركيبٌ قد أُبهمَ بعضَ الإبهام، لذلك نذكر الأول (الإمام) "كالتوطئة والبساط لذكر الثاني"([41])، ويُستفادُ من مجموعهما فضلَ بيانٍ ووضوحٍ وتوكيدٍ لا يكون بذكر أحدهما دون الآخر.
وأمّا عطفُ البيان فإنّه يوضّحُ أو يُخصّصُ الذّات نفسها "وهو يكونُ بالأسماء الصريحة، غير المأخوذة من الفعل كالكُنى والألقاب، نحو قولك: ضربتُ أبا محمدٍ زيداً وأكرمتُ خالداً أبا الوليد، بيّنتَ الكُنيةَ بالعَلم، والعَلمَ بالكُنية، فعطفُ البيان إنّما هو تفسير الأول باسم آخر مرادف له يكون أشهر منه في العُرف والإستعمال من غير أن يتضمّنَ شيئاً من أحوال الذّات"([42])، وعطف البيان يجري على ما قبله في التعريف، وليس كذلك البدل..
ويتبيّنُ الفرقُ بين البدل وعطف البيان من خلال المثل الذي أوردَهُ الشيخُ البهائيُّ (جاء الضَاربُ الرجلِ زيدٍ)، فالنّحاة الذين يفرّقون بين البدل وعطف البيان لا يُجيزون اعتبار (زيد) إلا عطف بيان لا بدلاً، واعتباره عطف بيان من المسائل الجائزة معنى ونحواً، لأنّ (زيد) جرى بالنّسبة إلى (الرّجل) مجرى الصّفة وهو متّسقٌ مع حدّ عطف البيان الذي تجري فيه الأسماء الصريحة مجرى الصّفات، وإنّ التابع (عطف البيان) خالٍ من (أل)، والمتبوع مقترنٌ بها مع إعرابه مضافاً إليه، والمضافُ إسمٌ مشتقٌ إضافته غير محضة، نحو ما مثّل به الشيخُ البهائيُّ (جاء الضَاربُ الرجلِ زيدٍ)، فـ(الضّارب) هو العامل في ما بعده، وهو إسمٌ مشتقٌّ مضافٌ. (الرّجل) متبوعٌ معرّفٌ بـ(أل)، ومضافٌ إلى (الضّارب)، وإضافته غير محضة. (زيد) تابعٌ خالٍ من (أل)، والمتبوع قبله مقترن بها، لذا تحتّمَ إعرابه عطف بيان لا بدلاً.
وعليه، يجبُ إعراب (زيد) عطف بيان لا بدلاً، لأنّ البدل على نيّة تكرار العامل، وملاحظةُ وجوده قبل التابع كوجوده قبل المتبوع "لأنّ حكم البدل أن يقدّرَ في موضع الأول"([43])، فالعامل (الضّارب) في المتبوع (الرجل) لو جعلناه عاملاً للتابع (زيد)، وقلنا: (جاء الضّاربُ زيدٍ) لم يجُزْ، لأنّ فيه فساداً إعرابياً، وسببُ هذا الفساد أنّ العامل المضاف (الضّارب) مشتقٌ مقترنٌ بـ(أل)، والمضاف إليه (زيد) غير مقترن بها، فتمتنعُ الإضافةُ غير المحضة في مثل هذا، وتصحُّ في مثل قولنا (جاء الضَاربُ الرّجلِ) تشبيهاً بـ(الحسنِ الوجهِ)"([44]).
تأسيساً على ما تقدّم، فإنّ إشكالَ الشيخ البهائيّ ينطلقُ من اعتبار (الضارب) توطيةً للبدل(زيد)، فنقول (جاء الضّاربُ زيدٌ)، ونعتبر (زيد) بدلاً من (الضّارب)، ونستفيدُ من مجموعهما فضلَ توكيد وبيان، وهذا الأمرُ قاسه الشّيخ البهائيّ قياساً خفيّاً على مثل قولنا (جاءَ الإمامُ عليٌّ) حيث اعتبرنا ـ فيما تقدّم ـ (عليّ) بدلاً و(عليّ) توطيةً وبساطاً له، ومثل هذا الأمر المعنويّ مُتكلّف في مثل قولنا: (جاءَ الضَاربُ زيدٌ)، لأنّه إذا جازَ مثل هذا الأمر المعنويّ فإنّه لا يجوزُ التلفّظُ بمثل هذا اللفظ والتركيب، أي إنْ أجزْنا المعنى فإنّ التركيب فاسدٌ، فلا نستطيعُ أن نرفع (زيد) على أنّه بدل من (الضّارب) بل يجبُ نصبه على أنّه مفعولٌ به لاسم الفاعل (الضّارب)، فنقول: جاءَ الضّاربُ زيداً، وكذلك لا يجوز التركيب في مثل قولنا: جاءَ الضاربُ زيدٍ بإضافة (زيد) إلى (الضّارب) لأنّ الإضافة بينهما لا تصحّ أن تكون غير محضة كقولنا (جاء الضّاربُ الرّجلِ) تشيبهاً بـ(الحسنِ الوجهِ)، وسببُ ذلك أنّ العاملَ، وهو المضاف (الضّارب)، مشتقٌ مقترنٌ بـ(أل)، والمعمول والمضاف إليه (زيد) غير مقترن بها، ولا يجوزُ تشبيهُ هذه الإضافة بـ(الحسنِ الوجهِ)، وعليه يكونُ إشكالُ الشيخِ البهائيِّ فاسداً نحويّاً وإن كان له وجهٌ معنويٌّ مُتكلّف، والشيخُ البهائيّ نفسه قال: "مثلُ ذلك القصد لم يجزْ التلفّظ بمثل هذا اللّفظ" لأنّه مماحكات منطقيّة بحتة، لا تُسمن ولا تُغني من جوع علميّ أو نحويّ، ونحن نسعى إلى تسهيل النحو وتيسيره لا تعقيده وتعميته وإلغازه!!
ومن التخريجات المتكلّفة محاولةُ الشّيخ البهائيّ الذّبَ عن الزمخشريّ في قضيّة نحوية تتعلّق بتفسير (ما) في الآية القرآنية )وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ(سورة هود: الآية116 .
سياقُ الآية يتناول نزول العذاب بالذين ظلموا، وقد ذكر سبحانه سببين لاستئصال المجرمين: الأوّل تركهم النهي عن الفساد، والثاني إتّباعهم الشّهوات الدنيويّة، وإيثار اللّذات على أمر الآخرة، فكانوا مُجرمين.
إعتبرَ الزّمخشريُّ صاحب (الكشّاف) أنّ (ما) في قوله تعالى)مَا أُتْرِفُوا فِيهِ( مصدريّة، وعطفَ المقطعَ الثاني من الآية )وَكَانُوا مُجْرِمِينَ( على )مَا أُتْرِفُوا فِيهِ(، وأوّلَ المقطعين (إتّبعوا الإترافَ وكونهم مجرمين، لأنّ تابعَ الشّهوات مغمورٌ بالآثام)([45])، فهم "اتّبعوا في دنياهم ما عوّدوا من النعيم وإيثار اللّذات على أمر الآخرة"([46])، و(ما) المصدريّة تُقدّرُ مع صلتها بمصدر يُعرب بحسب موقعه في الجملة، وتُوصلُ بالفعل الماضي والمضارع، لذا أوّلَ الزمخشريُّ المقطع من الآية بـ(الإتراف وكونهم مجرمين)، ومذهبُ سيبويه والجمهور أنّ "(ما) المصدريّة حرفٌ فلا يعودُ عليها ضميرٌ من صلتها، وذهبَ الأخفشُ وابنُ السّرّاج وجماعةٌ من الكوفيين إلى أنّها إسمٌ، فتفتقرُ إلى ضمير، فإذا قلتَ: يُعجبُني ما صنعت فتقديرُهُ عند سيبويه: يعجبُني صنعُكَ، وعند الأخفش: يعجبُني الصّنعَ الذي صنعته"([47]).
إنّ اعتبارَ الزمخشريّ (ما) مصدريّة في الآية دفعَ ابن هشام الأنصاري إلى تغليطه بقوله "وللزمخشريِّ غلطةٌ، فإنّه جوّزَ مصدريّة (ما) في )وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ( مع أنّه قد عاد إليها الضمير"([48])، وحجّةُ ابن هشام أنّ (ما) إسميّة بمعنى (الذي) وليست حرفاً مصدرياً، لأنّ الضمير المتصلَ في (فيه) يعودُ على (ما)، والضمائر تعودُ على الأسماء ولا تعودُ على الحروف..
إنّ الشيخَ البهائيَّ في كشكوله، وبإشارة لطيفة، أرادَ ان يُخرج الزمخشريّ من غلطته، على حد وصف ابن هشام، فقال: "وقد يُذبُّ عن جار الله بأنّ ضمير (فيه) يعودُ إلى الظّلم المفهوم من (ظلموا) في الآية"([49])، حيث أرجعَ الشيخُ البهائيُّ الضمير في (فيه) إلى معنى (الظّلم) المنتزع من الفعل المذكور في الآية ) ظَلَمُوا(، ولم يرجع الضمير إلى (ما)، وإذا كان ذلك كذلك فإنّه لا ضيرَ من اعتبار (ما) مصدريّة، وهي مع ما بعدها في تأويل مصدر واقع في محل نصب مفعول به للفعل (اتبع)، والتاويل (اتبعَ الذين ظلموا الإترافَ) أي: الشهوات المغمورة بالآثام، ويكون المقطع الأخير من الآية)وَكَانُوا مُجْرِمِينَ( جملةً إعتراضيّةً، وهي حكمٌ على الذين أترفوا (بأنّهم قومٌ مجرمون)، وأهل المعاني أجازوا أن يأتيَ الإعتراضُ في آخر الكلام، وإن كان الأمرُ "لا يخلو من تكلّف"([50])، على ما جاء في ذيل ذبّ البهائيّ عن الزمخشريّ، وإذ ذاك لا يُلتفتُ إلى قول أبي حيّان "ولا يُسمّى هذا اعتراضاً في اصطلاح النحو، لأنّه آخر آية، فليس بين شيئين يحتاجُ أحدهما إلى الآخر"([51]).
دغدغةٌ ولغزٌ([52])
يقول الشيخ البهائيّ: "إذا سدّت (أنّ) مع معموليها مسدّ المصدر فُتحت، وإلا كُسرت، وإن جاز الأمران جاز الأمران"([53])، هذا القول الأخير يُشبهُ ألغاز الشّيخ التي برع فيها، وبعد هذا الإبهام الذي يُشبهُ اللّغز يدغدغُ البهائيّ النّحاة دغدغةً خفيفةً؛ أوضّحُ القولَ (اللّغز) ثمّ أعودُ إلى الدّغدغة.
الحرف المشبّهُ بالفعل (إنّ و أنَّ) تحتاجُ إلى إسمٍ منصوب وخبرٍ مرفوع، ووظيفتُها في الجملة توكيد معناها، والتّوكيد معناه تقوية الثّابت لا تغيير للمعنى.
وأمّا (أَنَّ) المفتوحة الهمزة فتكون مع جزأيها في تأويل المفردٍ لكونها مصدريّة، لذا وجبَ وقوعها موقعَ المفردات، فتقع مع معموليها جزءاً من جملة مفتقرة إلى فاعل أو مفعول أو خبر لمبتدأ أو مضاف إليه.. ولا سبيل للحصول على ذلك الإسم المرفوع أو المنصوب أو المجرور إلا من طريق مصدرٍ منسبكٍ من (أنّ) مع معموليها، كقولك: سرّني أَنَكَ بارٌّ بأهلكَ، أي: سرّني برُّكَ بأهلكَ، أو قولك: عرفتُ أَنَّ المدنَ مزدحمةٌ، أي: عرفتُ ازدحامَ المدن، وقولك: تألّمتُ من أَنَّ الصّديقَ مريضٌ، أي: من مرضِ الصّديق وهكذا..
وحكَمَ النّحاة بكسر همزة (إِنَّ) في كلّ موضعٍ لا يصحُّ أن تُسبكَ فيه مع معموليها بمصدرٍ، ومن هذه الجهة يمكن أن تأتيَ بعد القول، فتكون واجبةَ الكسرِ إذا قصدت به الحكايةَ، لأنّ المحكيَّ بالقول لا يكون إلا جملة، كقول الشّاعر(من الطويل):
تُعيِّرُنا أنّا قليلٌ عديدُنا فقلتُ لها: إنَّ الكرامَ قليلُ
وإنْ وُجِدَ القولُ ولم تكن محكيّة بالقول بل كانت معمولة لغيره لم تُكسر، كقولك: أيّها المعلّم، أخصُّكَ القولَ أَنَّكَ فاضلٌ، أي: لأنّكَ فاضلٌ، فالمصدر المؤوّل معمول للام الجرّ لا للقول.
و(إنّ) واجبةُ الكسر بعد الموصول، كقولك: جاء الذي إِنّهُ عزيزُ النّفسِ، وتأتي دغدغةُ البهائيّ على كسر همزة (إنّ) بعد القول والصّلة، يقول: "ولكاتب الأحرف هنا دغدغةٌ هي أنّه في هاتين وأمثالها يجوزُ سدّها مسدّ المصدر، فإذا قلتَ: جاء الذي أنّه قائمٌ، كان في تأويل: جازَ الذي قيامُهُ ثابتٌ"([54])، ودغدغةُ البهائيّ فيها وجهٌ وجيهٌ، وهي تقوم على جواز فتح الهمزة وكسرها بعد الصّلة على اعتبار أنّ الجملة بعدها لا محلّ لها من الإعراب على كلّ وجه، سواءٌ كان الأمرُ كما قدّرَ النّحاة بكسر الهمزة بعد الموصول واعتبار الجملة إبتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب، في مثل قولك: جاء الذي إِنَّهُ قائمٌ، أو على تقدير الشيخ البهائيّ من أنّها مفتوحة مؤوّلة مع معموليها بمصدرٍ مُنسبكٍ مأخودٍ من لفظ خبرها المشتقّ، لأنّ المفتوحةَ موضوعةٌ لتكونَ بتأويلِ مصدرٍ مأخوذٍ من خبرها مضافاً إلى اسمها، كقولك: جاء الذي أَنَّهُ قائمٌ، أي: جاء الذي قيامُهُ ثابتٌ، وتكونُ الجملةُ الإسميّةُ (قيامُهُ ثابتٌ) لا محلّ لها من الإعراب لأنّها صلة الموصول.
ولغز الشيخ: "وإنْ جازَ الأمران جاز الأمران" تفسيرُهُ أنّه إذا جاز في (أنّ) السّبك وعدمه جاز الفتحُ والكسرُ، ومن الموارد التي يجوز فيها الأمران ـ الفتح والكسر ـ إذا وقعت (إنّ) بعد (إذا) الدّالّة على المفاجأة ـ وقد مثّلَ له الشيخ بجزءٍ من بيتٍ أورده سيبويه كما سيأتي ـ كقولك: خرجتُ فإذا إِنَّ سعيداً واقفٌ، من غير توكيد، والفتحُ على تأويل ما بعدها بمصدر مأخوذ من لفظ خبرها يكون مبتدأ خبرُهُ محذوف، والتقدير: فإذا وقوفُهُ حاصلٌ، وقد مثّلَ لذلك الشيخ بجزءٍ من بيت حكاه سيبويه في كتابه([55]) (من الطويل):
وكنتُ أرى زيداً، كما قيل، سيّداً إذا انّهُ عبدُ القفا واللّهازمِ
اللّهازم: جمع لِهزمة، واللّهزمتان: عظمتان ناتئتان تحت الأذنين، يريد أنّه ليس سيداً، وكنّى عن ذلك بأنّه يُضربُ على قفاه ولهزميته.
وهمزة (انّ) بعد (إذا) الفجائيّة يجوز فيها الفتح والكسر، فالكسر على الأصل، لأنّ (إذا) يقع بعدها المبتدأ والخبر، والتقدير: فإذا هو عبدُ القفا، والفتح "لإمكان التأويل: فإذا عبوديّتهُ حاصلةٌ أو ثابتةٌ به"؛ وهذا معنى قول الشّيخ "وإنْ جازَ الأمران جازَ الأمران".
حسٌّ منطقيٌّ
يستخدم الشيخُ البهائيّ حسّهُ المنطقيّ في مبحث المفعول لأجله.
والمفعول لأجله "يُذكرُ علّةً وعذراً لوقوع الفعل"([56])، أو هو "ما دلّ على مراد الفاعل من الفعل"، وعليه فإنّ المفعول لأجله "مصدرٌ قلبيٌ يُذكرُ علّةً لحدث شاركَهُ في الزمان والفاعل"([57]) أي أنهم اشترطوا "مقارنته لعامله في الوجود"([58])، ويشرحُ الشيخُ البهائيّ هذا الشّرط بمقولةٍ منطقيّةٍ، يقول: "الظّاهر أنّ مراد النّحاة أنّ المتكلّمَ إنّما يصحُّ له النّصب إذا قصدَ المقارنة خارجاً، إذ لو اشترطت المقارنة في الواقع لكان قولنا: ضربتُهُ تأديباً، فلم تُحصّلِ التأديبَ مثلاً، لحناً"([59]).
إنّ العلّة الدّافعة إلى وجود الفعل قد تتقدّم عليه وجوداً وقد تتأخّر، وإذا كان المفعول لأجله يُذكرُ علّةً وعذراً لوقوع الفعل، فإنّه قد يتقدّم وجوده على وجود الفعل، كما في قولك: قعدتُ جُبناً، فالمفعول لأجله (جُبناً) هو الحامل على الفعل (القعود)، أي إنّ تحقّقَ وجود الجُبن فيَّ سابقٌ وعلّةٌ لتحقّق وجود القعود.
ثمّ إنّ العلّةَ التي دفعت إلى وجود الفعل قد لا تتقدّم وجوداً على الفعل، كقولك: ضربتُهُ تاديباً، فـ(التاديب) هو العلّة التي دفعت إلى وجود الضرب، إلا إنّ وجودَ التاديب يكون بعد وجود الضّرب لا قبله، وإلا لو إنّ التاديب متقدَّمٌ وجوداً على الضرب وقمنا بالضَرب كان الفعل عبثيّاً، لأنّ المراد من الضرب متحقّقٌ قبله، فلماذا يكون؟ وعليه، نقول: إنّ الدّافع إلى الضّرب هو التأديب، غير أنّ الضّرب محقّقٌ وجوداً قبل تحقّق التأديب، ويكونُ وجودُ التاديب تالياً لوجود الضرب.
إنّ المفعول لأجله هو الحامل على الفعل، سواءٌ تقدّم وجوده على وجود الفعل أو تأخّرَ عنه، والتأخرُ عنه كقولك: جئتُكَ إصلاحاً لحالكَ، فـ(الإصلاح) متأخّرٌ وجوداً عن المجيء، والغرض المتأخر وجوده عن وجود الفعل يكون علّةً غائيّةً حاملةً على الفعل، فهي متقدّمةٌ من حيث التّصوّر، وإنْ كانت متأخرةً من حيث الوجود.
وعليه، يكون المفعول لأجله هو العلّةُ الحاملةُ على الفعل وليس بمعمولٍ له حملاً على الظاهر، كقولك: ضربته تأديباً، فالظّاهر يدلّ على أنّ الضّرب علّةُ التأديب، والصّحيح أنّ التأديب علّةٌ حاملةٌ على الضّرب.
وبناءاً على ما تقدّم يمكنُ تفسير قول الشيخ البهائي: "المتكلّم يصحّ له النّصب إذا قصد المقارنة خارجاً" أي: إنّ نصبَ المفعول لأجله يصحّ لمجرّد إمكانيّة وقوع العلّة الحاملة على الفعل خارجاً، وفي مثل قوله تعالى )وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ(سورة الإسراء: الآية31 فإنّ (الإملاق) ههنا متوقّعٌ لا ناجزٌ، وإنّ القتلَ قد يحصل والفقر لا يحصل، والقتل هنا ليس معلولاً لعلّة هي الفقر، وإنّما خشية الفقر دافعٌ وحاملٌ على القتل، فقد يتحقّقُ القتل وجوداً ولا يتحقّقُ الإملاقُ وجوداً، فـ(خشية الإملاق) متقدّمةٌ من حيث التّصوّر، وإن كان الفقر متأخراً من حيث الوجود، فقد يوجد وقد لا يُوجد، وأمّا في قوله تعالى )وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ(سورة الانعام: الآية151 فإنّ الباعثَ على القتل هنا هو الإملاق النّاجز، فالإملاق حاملٌ على القتل، وهو متحقّقٌ وجوداً مثل تحقّق القتل وجوداً، وكون الإملاق علّةً لقتل الأولاد هو ما تقتضيه (من) التعليليّة، فقد جُعلَ الفقر عذراً لقتل الأولاد.
موافقةٌ وتأييد
يقول الشيخ البهائيّ: "قد يتّصفُ ما لا يُعقلُ بصفات مَنْ يُعقل، فيعرب بالحروف"([60]).
ولتوضيح ذلك نقول: إنّ الشيءَ إذا لابسَ وخالطَ آخر من بعض الوجوه أُعطيَ حكماً من أحكامه إظهاراً لأثر المُلابسة والمخالطة، جرياً على قاعدة قياسيّة عقليّة تقول: "الشيءُ يُعاملُ معاملةَ شيءٍ آخر إذا شاركه في صفةٍ ما"، واستشهد على ذلك الشيخ البهائيّ بقوله تعالى )إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ(سورة يوسف: الآية4 هذه الآية تُحدّثنا عن رؤيا([61]) رأها نبيُّ اللهِ يوسف، وحدّثَ بها والدَهَ يعقوب، وهي نزول الكواكب من السّماء والسّجود له، ويرى المفسّرون أنّ الشمس والقمر هما أبواه، والكواكب إخوته الأحدَ عشرَ.
إنّ (الكواكب) عوملت في الآية معاملةَ العقلاء، فأُعطيت صفةً من صفاتهم (السّجود) )رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ(، وهي جملة مستأنفة لبيان الحال التي رآهم عليها، ولمّا أُعطيت صفةً من صفات العقلاء أُجريَ عليها حكماً من أحكام العقلاء في الإعراب، حيث نُصبت (ساجدين) بالياء على أنّها حال، وإنّما جاز في (الشّمس والقمر والكواكب) معاملتها معاملة الجمع المذكر السالم والإعراب بالياء والنون "لأنّهم وصفوا بأفاعيل الآدميين، ألا ترى أنّ السّجود والرّكوع لا يكون إلا من الآدميين، فأُخرجَ فعلهم على فعال الآدميين، مثله )وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا( ([62])سورة فصلت: الآية4، فكأنّهم خاطبوا رجالاً إذ كلّمتهم وكلّموها. وكذلك )يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ( سورة فصّلت: الآية18. فما أتاكَ مواقعاً لفعل الآدميين من غيرهم أجريتَهُ على هذا"([63]).
إنّ (الكواكب) لمّا واقعت فعلاً من أفاعيل الآدميين عوملت معاملتهم في الإعراب، وأُجريَ عليها حكمهم، وهو كثيرٌ شائعٌ في كلام العرب "أن يُلابسَ الشيءُ الشيءَ في بعض الوجوه فيُعطى حكماً من أحكامه إظهاراً لأثر المُلابسة والمقاربة"، ومثلُ ذلك أن تُعطى الكلمةُ في الإعراب حكمَ كلمة مجاورةٍ لها "كقول بعضهم (هذا جُحْرُ ضبٍّ خربٍ) ومن حقّ (خرب) الرفع على النّعت، ومثلُهُ أن تتبعَ الحركةُ الحركةَ إذا جاورتها لضربٍ من المشاكلة والمجانسة، كقولهم (رِجْسٌ نِجْسٌ) والأصل (نَجِسٌ)، فكُسرت نون (نجس) اتّباعاً ومشاكلة لكسرة الرّاء"([64]).
إنّ (السّجود) الذي أُجريَ على (الكواكب) ـ سواءٌ كان المراد منه سجودَ تواضعٍ أم سجوداً حقيقيّاً ـ جعلتِ الكواكبَ تُخالطُ العقلاء بصفةٍ من صفاتهم، وظهر أثر هذه المخالطة في الإعراب (في ياء الجمع المذكر السالم)، وهذا سائغٌ في كلام العرب، وهو أن يُعطى الشيءُ حكمَ الشيء للإشتراك معه في وصف ما، وإن كان الوصفُ أصله أن يخصّ أحدهما، ومثاله في القرآن الكريم كثيرٌ، قال تعالى في صفة الأصنام )وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ( ([65])سورة الأعراف: الآية198 أُعطيت الأصنام صفة من صفات العقلاء (النظر ـ البصر) فظهر أثر هذه الملابسة المعنوية في عود الضّمير المختص بالعقلاء (هم) على الأصنام، والعربُ تجمع ما لا يعقل جمع مَن يُعقل إذا أنزلوه منزلته، واستشهد الشيخ عليه بقوله تعالى )إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ(.
إستحسانٌ
وأختمُ بحثي باستحسان قراءة قرآنية راقت للشيخ البهائيّ تتعلّق بالوصل والفصل. قال الشيخ البهائيّ: "يقال: إنّ أبا عمرو بن العلا قال: قرأتُ )وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي( سورة يس: الآية22 فاخترتُ تحريكَ الياء هيهنا لأنّ السّكون ضربٌ من الوقف، فلو سكنت الياء هيهنا كنتُ كالذي ابتدأ، وقال لا أعبدُ الذي فطرني، فاخترتُ تحريك الياء هرباً من ضرب الوقف، وهذا من أبي عمرو في غاية الدّقة في المعاني اللّطيفة"([66]).
إنّ قراءةً قرآنيّةً قرأها الجمهور وخرّجها أبو عمرو بن العلاء أطربتِ الشيخَ البهائيّ، فوصفها بانّها (بغاية الدّقة في المعاني اللّطيفة)، فما وجهُ الدّقة واللّطف فيها؟
في سورة (يس) قصّةُ رجلٍ مؤمنٍ (جاء من أقصى المدينة يسعى) فقال للكفّارُ )اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا( سورة يس: الآية21 أي: يا معاشرَ الكفّار اتّبعوا المرسلين الذين لا يطلبون منكم الأجرَ، ولا يسألونكم أموالكم على ما جاؤوكم به من الهدى، فلمّا قال هذا أخذوهُ ورفعوهُ إلى الملك، فقال له الملكُ: أفأنتَ تتبع المرسلين؟ فقال )وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي( فاللّفظُ يعودُ على المتكلّم من خلال الضمير، والمقصودُ المخاطبين من الكفّار، وأصل الكلام: (يا قوم ، ما لكم لا تعبدون الذي فطركم) فنسبَ العبادةَ إلى نفسه تلطّفاً في الإرشاد، وهو يريدُ نصحهم، فهو اختار لهم ما يختار لنفسه، وقوله لهم )وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي( تقريرٌ لهم على جهة التوبيخ في هذا الأمر، وكأنّه يريدُ أن يقول لهم: مَنْ فطرَ واخترعَ وأخرجَ من العدم إلى الوجود هو الذي يستحقّ أن يُعبدَ "وأيّ شيءٍ لي إذا لم أعبدْ خالقي الذي أنشأني وأنعم عليّ وهداني"([67]).
ومدار الحديث حول الوقف والوصل في قراءة قوله تعالى )وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي( "فأسكنَ الياء من (لي) حمزة ويعقوب والأعمش ، وفتحها الباقون من جمهور القرّاء"([68]).
وفتحُ ياء (لي) فيه معنى لطيفٌ قالهُ أبو عمرو بن العلاء متعلّقٌ بالوقف، فما هو الوقف والوصل في القراءة؟
الوقف عند القرّاء وأهل التجويد هو العلم الذي يرشدُ قارئَ القرآن إلى مراعاة وقوفه، حرصاً على اتّساق المعنى، وسلامة اللّغة، بغرض الفهم والإدراك"([69])، والوقف في اصطلاح علماء العربية هو "قطع الكلمة عن الحركة"([70])، والقطع يعني الإسكان والسّكوت على آخر الكلمة قاصداً مختاراً، سواء كان بعدها كلمة أو كانت آخر الكلام.
إنّ المتكلّم أو القارئ يجدُ نفسه إزاء حاجة ملحّة للوقف بغرض إراحة النَّفَس من أجل استرجاعه، واستئناف القراءة، لذا سُمّيت بـ"ياء النَّفَس"([71])، أو من أجل تبيان الفروق بين المعاني المختلفة عن طريق المستوى الصّوتي لضبط العلاقة بين ظاهر اللّفظ ومضمون القصد، وهناك أسبابٌ ودواعي أخرى كإتمام السّجع وغيرها..
إنّ المتكلّم أو القارئ يعبّر عن غرضه وعن دلالات الكلام بالوقف والتنغيم وتلوين الكلام، ثمّ إنّ مقتضى الحال الذي هو فيه، يحدّد طابع الكلام، كي لا يقع القارئ أو المتكلّم في اللّحن أو الخطأ أو الإشتباه من السّامع.
بعد هذه المقدّمة المتعلّقة بالوقف وأغراضه نعودُ إلى قراءة أبي عمرو بن العلاء وتخريجه تحريك ياء (ليَ) بالفتح، ووصلُ مقطعي الآية، ولم يُسكّن لأنّ السّكون ضربٌ من الوقف، وإذا وقف على (لي) في (ما ليْ) وقطع الكلام بالإسكان ثمّ استأنف فقال (لا أعبدُ الذي فطرني) فإنّ مقطعي الآية يكوّنان مقطعاً صوتيّاً واحداً من دون وقف أو فصلٍ، فيتأمّن الحرصُ على اتّساق المعنى، بغرض الفهم والإدراك، ولكي يتأمّن التقرير لهم على جهة التوبيخ وصلَ أبو عمرو المقطعين بواسطة الفتحة على الياء "إذ كان لا يَحْسنُ الوقف عليها والإبتداء بما بعدها"([72])، هذا الأمر اللّفظيّ ضبطَ العلاقة الصوتيّة بين ظاهر اللّفظ ومضمون القصد، مما دفعَ الشيخ البهائيّ إلى أن يُعجبَ بهذا التخريج، واعتبره "في غاية الدّقة في المعاني اللّطيفة".
خاتمة
بعد هذه الجولة من دغدغات الشّيخ البهائيّ النحويّة في كتابه الكشكول أجدني معجباً بشيخٍ كان النّحوُ جزءاً يسيراً من حركته العلميّة، ومع هذا ظهرت له لمعات نحويّة بارعة، وإنّني لآملُ أن تُحقّقَ مخطوطات الشيخ النحويّة (الكافية) و (الفوائد الصّمديّة) وتوضع بين يدي الباحثين والعاملين على تيسير النحو العربيّ، ويزداد الإلحاحُ على تحقيق المخطوطات النحويّة عندما نعلمُ أنّه "خرجَ على النّاس أستاذٌ في جامعة مصريّةٍ بمشروعٍ لتيسير النّحو، ضمّنَهُ كتاباً يحمل اسمَ (لغة الإعراب)، هذا المشروع هو تماماً منهج العامليّ في (الفوائد الصّمديّة)، لم يغادر منه صغيرة ولا كبيرة، قدّمهُ على أنّه من ابتكاره هو، لم يسبقهُ إليه سابقٌ.."([73])، وهذا يدلّ على أنّ الشيخ البهائيّ قد أدرك في وقت مبكّر وجوبَ تيسير النحو العربيّ...
أتمنّى لمؤتمركم الكريم خدمة العلم والعلماء، وأخصُّ بالذّكر علماء جبل عامل، وأتمنّى أن يخرج مؤتمركم بتوصيات عمليّة تسعى إلى إخراج تراث عالمنا الكبير الشيخ بهاء الدين محمّد العاملي إلى الوجود.
والله وليّ التوفيق
بعلبك في 8 نيسان 2012
د. أكرم محمّد نبها
مصادر ومراجع البحث
1. القرآن الكريم
2. ابن السّراج النحوي، محمد بن سهل: الأصول في النحو ، مؤسسة الرسالة، بيروت ـ لبنان، ط3، 1988م .
3. ابن منظور، محمد بن مكرم (630 -711 هـ): لسان العرب، مادة (أَنَسَ)، دار صادر، بيروت ـ لبنان، ط1.
4. ابن يعيش الموصلي(553 -643 هـ): شرح المفصّل للزمخشري، دار الكتب العلميّة، بيروت ـ لبنان، ط1، 2001م.
5. أبو حيّان الأندلسي، محمد بن يوسف(654 - 745هـ): تفسير البحر المحيط، دار الفكر، بيروت الطبعة الثانية، 1403هـ.
6. الأزهري، محمد بن أحمد ((282 -370 هـ): تهذيب اللّغة، دار الصادق للطباعة والنشر، د . ت .
7. الأزهريّ، محمد بن أحمد(282 - 370 هـ): كتاب معاني القراءات ، دار الكتب العلميّة، بيروت ـ لبنان، ط1، 1999م .
8. الألُّوسي، أبو الثناء شهاب الدين (1217-1270هـ): روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، ط4 ، 1985م.
9. الأنباري، أبو بكر(ت328هـ): إيضاح الوقف والإبتداء ، مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق ـ سوريا، 1972م .
10. الأنصاري، ابن هشام(708 - 761 هـ): مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ، انتشارات كلستان، إيران، ط2 ، 1370هـ . ش.
11. البقاعي ، برهان الدين (809 - 885 هـ): نظم الدرر في تناسب الآيات والسور(يُعرف بـ(تفسير البقاعيّ))، دار الكتب العلميّة، بيروت ـ لبنان، ط1، 1415هـ.
12. الجوهري، إسماعيل بن حماد (000 ـ 393 هـ): الصّحاح في اللغة، دار الحضارة العربية، بيروت ـ لبنان، ط1 ، د. ت.
13. الرازي، عبد القادر: مختار الصّحاح، مكتبة لبنان ، بيروت، 1993م.
14. الرّضى الأسترأبادي، محمد بن الحسن (.. ـ نحو 686 هـ): شرح الرّضى على الكافية ، جامعة قار يونس، 1978م.
15. الرضى الصغاني، الحسن بن محمد (577 ـ 650 هـ): العباب الزاخر، دار الرشيد للنشر، 1980م.
16. سيبويه (148 - 180 هـ): الكتاب، منشورات مؤسسة الأعلمي، بيروت ـ لبنان ، ط3، 1990م .
17. السيوطي، جلال الدين (ت911هـ): همع الهوامع في شرح حمع الجوامع، دار الكتب العلميّة، بيروت ـ لبنان، 1998م.
18. الصدر، حسن(1272 هـ ـ 1354هـ): تكملة أمل الآمل ، دار الأضواء، بيروت ـ لبنان، 1986م.
19. الطبرسي، الفضل بن الحسين(472 ـ 561هـ) : مجمع البيان في تفسير القرآن، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان، د.ت.
20. العاملي، بهاء الدّين محمد: الكشكول، منشورات مؤسسة الأعلمي ، بيروت ـ لبنان، ط6، 1983م.
21. عباس، دلال: بهاء الدّين العاملي، دار المؤرّخ العربي، بيروت ـ لبنان، ط1، 2010م.
22. العكبري، عبد الله بن الحسين(ت616هـ): التبيان في إعراب القرآن، دار الكتب العلميّة، بيروت ـ لبنان، 1992م.
23. الغلاييني، مصطفى: جامع الدّروس العربيّة، المكتبة العصرية للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان ، ط29، 1994م.
24. الفراء، يحيى بن زياد (ت207هـ): معاني القرآن، دار السرور ، بيروت ـ لبنان، د. ت .
25. الفراهيدي، الخليل بن أحمد((100 ـ 170هـ): العين ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، 1988م.
26. الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب(729 ـ 817 هـ): القاموس المحيط، مؤسسة الريالة، بيروت ـ لبنان، ط2، 1407هـ .
27. المرادي، الحسن بن قاسم(ت749هـ): الجنى الدّاني في حروف المعاني، دار الكتب العلميّة، بيروت ـ لبنان، 1992م .
28. مرتضى الزبيدي، محمد بن محمد (1145 ـ 1205 هـ): تاج العروس من جواهر القاموس.
29. النحاس، أبو جعفر(000ـ 338 هـ): معاني القرآن ، عالم الكتب، بيروت ـ لبنان، ط1، 2005م.
30. نقره كار، عبدالله بن محمد(ت776هـ): شرح على شافية ابن الحاجب، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، د. ت.
[1] ـ الصدر، حسن(1272 هـ ـ 1354هـ): تكملة أمل الآمل، ص182، رقم الترجمة 145، دار الأضواء ، بيروت ـ لبنان ، 1986م.
[2] ـ هو الشيخ زين الدّين الجبعيّ العامليّ المعروف بالشهيد الثاني(911هـ ـ 965هـ) قصد اسطنبول فمُنح إجازة التدريس في المدرسة النوريّة في بعلبك ، فدرّس الفقه على المذاهب الخمسة، قتل في القسطنطينيّة بتهمة أنّه مبتدع، خارجٌ من المذاهب الأربعة، مع انّه كان من أبرز رجال التقريب بين المذاهب الاسلاميّة .
[10] ـ العاملي، بهاء الدّين محمد: الكشكول ، ج2 ، ص235. الدّغدغة: الغمز في الإبط، وقد يكون معناها الطعن (نقول: دغدغ فلانٌ عرضَ فلان)
ـ العاملي، بهاء الدّين محمد: الكشكول، ج1، ص81.
[13] ـ الألُّوسي، أبو الثناء شهاب الدين (1217-1270هـ): روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، عند تفسيره الآية 8 من سورة البقرة.
[14] ـ راجع: ـ سيبويه (148 - 180 هـ): الكتاب، ج1، ص311، منشورات مؤسسة الأعلمي، بيروت ـ لبنان، ط3، 1990م .
ـ النحاس، أبو جعفر(000ـ 338 هـ): معاني القرآن، ص102، عالم الكتب، بيروت ـ لبنان، ط1، 2005م.
[15] ـ الفراهيدي، الخليل بن أحمد(100 ـ 170هـ): العين، ج7، ص303 ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، 1988م.
[18] ـ الأزهري، محمد بن أحمد ((282 - 370 هـ): تهذيب اللّغة، ج3، ص88 ، دار الصادق للطباعة والنشر، د . ت .
[19] ـ الألُّوسي، شهاب الدين (1217-1270هـ): روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، عند تفسيره الآية 8 من سورة البقرة .
ـ الجوهري، إسماعيل بن حماد (000 ـ 393 هـ): الصّحاح في اللغة، مادّة (نَوَسَ)
ـ الرضى الصغاني، الحسن بن محمد (577 ـ 650 هـ): العباب الزاخر، مادة (نَوَسَ)
ـ مرتضى الزبيدي، محمد بن محمد (1145 ـ 1205 هـ): تاج العروس من جواهر القاموس، مادة (نَوَسَ)
ـ ابن منظور، محمد بن مكرم (630 ـ 711 هـ): لسان العرب، مادة (أَنَسَ)، ج1، ص170، ومادة (نَوَسَ)، ج14ص382، دار صادر، بيروت ـ لبنان، ط1.
[21] ـ البقاعي، برهان الدين (809 - 885 هـ): نظم الدرر في تناسب الآيات والسور(يُعرف بـ(تفسير البقاعيّ)،عند تفسيره الآية 18 من سورة الأنعام .
[23] ـ سأل محمد بن مسلم أبا جعفر (عليه السلام) عن لحوم الخيل والدواب والبغال والحمير، فقال: حلالٌ، ولكنّ الناس يعافونها ، وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن أكل لحوم الحمر الإنْسيّة بخيبر لئلا تفنى ظهورها، وكان ذلك نهي كراهة لا نهي تحريم . ولابأس بأكل لحوم الحمر الوحشية. (مَن لا يحضره الفقيه، باب:الحلال والحرام من لحوم الدّواب، رقم الحديث: 4197)
[25] ـ الأندلسيّ، أبو حيّان (654 - 745هـ): البحر المحيط ، عند تفسيره الآية 8 من سورة البقرة، دار الفكر، بيروت الطبعة الثانية، 1403هـ. .
[31] ـ يجوز أن يُقتصر على ذكر الجنس ويُضمر المقصود بالمدح أو الذم اكتفاءاً بتقدّم ذكره، كما جاء في التنزيل )وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ( سورة ص: الآية30 أي: نعمَ العبدُ سليمانُ ، فحذف إسمه (المخصوص بالمدح) لتقدّم ذكره، وعِلم المخاطب به.
[32] ـ ابن يعيش الموصلي(553 - 643 هـ): شرح المفصّل للزمخشري،ج2، ص36، دار الكتب العلميّة، بيروت ـ لبنان، ط1، 2001م.
[35] ـ ابن السّراج النحوي، محمد بن سهل: الأصول في النحو، ج2 ، ص20، مؤسسة الرسالة، بيروت ـ لبنان ، ط3، 1988م.
[39] ـ الرّضى الأسترأبادي، محمد بن الحسن (.. ـ نحو 686 هـ): شرح الرّضى على الكافية، ج2، ص379، جامعة قار يونس، 1978م.
[47] ـ المرادي، الحسن بن قاسم(ت749هـ): الجنى الدّاني في حروف المعاني ، ص332، دار الكتب العلميّة، بيروت ـ لبنان ، 1992م .
[52] ـ راجع : ـ ابن يعيش: شرح المفصل للزمخشرين ج4، ص526 .
ـ الرضى الأسترأبادي: شرح الرّضى على الكافية، ج4، ص340
ـ السيوطي: همع الهوامع في شرح حمع الجوامع، ج1، ص438.
[58] ـ الشيخ البهائيّ: الكشكول، ج2 ص236. واالشرط الذي ذكره البهائي أورده ابن معطي بقوله: " المفعول له مصدر لا من لفظ العاملِ فيه، مقارناً له في الوجود".
[62] ـ وتمام الآية ) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(
[64] ـ الأنصاري، ابن هشام(708 - 761 هـ): مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،ج2،ص894، انتشارات كلستان، إيران، ط2، 1370هـ . ش.
[65] ـ تمام الآية ) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ(
[67] ـ الطبرسي، الفضل بن الحسين(472 ـ561هـ) : مجمع البيان في تفسير القرآن، ج23، ص18، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان، د.ت.
[68] ـ راجع: ـ الأزهريّ، محمد بن أحمد(282 - 370 هـ):كتاب معاني القراءات، ص400، دار الكتب العلميّة، بيروت ـ لبنان، ط1، 1999م.
ـ النحاس، أبو جعفر: إعراب القرآن، ص715.
[69] ـ الأنباري، أبو بكر(ت328هـ): إيضاح الوقف والإبتداء، ص21 و 22، مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق ـ سوريا، 1972م.
[72] ـ العكبري، عبد الله بن الحسين(ت616هـ): التبيان في إعراب القرآن، ج2 ، ص294، دار الكتب العلميّة، بيروت ـ لبنان، 1992م.
[73] ـ مقالة للشيخ جعفر المهاجر، عنوانها: إنّ بهاء الدّين ثروةٌ سائبة ، مجلة الثقافة الإسلاميّة، العدد الخامس ، 1986م.
Comments
Post a Comment